للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الكلام معه في الصفات مطلقًا، لا يختص بالصفات الاختيارية، ومنهم من يُثبت الصفات، ويقول: لا يقوم بذاته شيء بمشيئته وقدرته، فيقول: إنه لا يتكلم بمشيئته واختياره، ويقول: لا يَرضى ويسخط، ويحب ويبغض، ويختار بمشيئته وقدرته، ويقول: إنه لا يفعل فعلًا هو الخلق، يخلق به المخلوق، ولا يقدر عنده على فعل يقوم بذاته، بل مقدوره لا يكون إلا منفصلا منه، وهذا موضع تَنَازَعَ فيه النفاة.

فقيل: لا يكون مقدوره إلا بائنًا عنه، كما يقوله الجهمية، والكلابية، والمعتزلة، وقيل: لا يكون مقدروه إلا ما يقوم بذاته، كما يقوله السالمية، والكرامية، والصحيح أن كليهما مقدور له، أما الفعل فمثل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} [الأنعام: ٦٥] وقوله: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة: ٤٠]، وقول الحواريين: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} [المائدة: ١١٢]، وقوله: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: ٨١]، وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الأحقاف: ٣٣]، إلى أمثال ذلك مما يبين أنه يقدر على الأفعال، كالإحياء، والبعث، ونحو ذلك.

وأما القدرة على الأعيان ففي "الصحيح" عن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: كنت أضرب غلاما لي، فرآني النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك على هذا، فقوله: "لله أقدر عليك منك على هذا" دليل على أن القدرة تتعلق بالأعيان المنفصلة: قدرة الرب، وقدرة العبد، ومن الناس من يقول: كلاهما يتعلق بالفعل، كالكرامية، ومنهم من يقول: قدرة الرب تتعلق بالمنفصل، وأما قدرة العبد فلا تتعلق إلا بفعل في محلها، كالأشعرية.

والنصوص تدل على أن كلا القدرتين تتعلق بالمتصل والمنفصل، فإن الله تعالى أخبر أن العبد يقدر على أفعاله، كقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]،

<<  <  ج: ص:  >  >>