للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥]، فدل على أن منا من يستطع ذلك، ومنا من لم يستطع، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء"، أخرجاه في "الصحيحين"، وقوله: "إن استطعت أن تعمل بالرضا مع اليقين فافعل"، وقوله في الحديث الذي في "الصحيح": "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".

وقد أخبر أنه قادر على عبده، وهؤلاء الذين يقولون: لا تقوم به الأمور الاختيارية، عمدتهم أنه لو قامت به الحوادث لم يخل منها، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث، وقد نازعهم الناس في كلا المقدمتين، وأصحابهم المتأخرون، كالرازيّ، والآمديّ، قَدَحُوا في المقدمة الأولى في نفس هذه المسألة، وقَدَح الرازي في المقدمة الثانية في غير موضع من كتبه، وقد بسط الكلام على ذلك في غير هذا الموضع.

وقولهم: إنا عرفنا حدوث العالم بهذا الطريق وبه أثبتنا الصانع، يقال لهم: لا جرم ابتدعتم طريقًا، لا يوافق السمع، ولا العقل، فالعالمون بالشرع معترفون أنكم مبتدعون محُدِثون في الإسلام ما ليس منه، والذين يعقلون ما يقولون يعلمون أن العقل يناقض ما قلتم، وأن ما جعلتموه دليلًا على إثبات الصانع لا يدل على إثباته، بل هو استدلال على نفي الصانع، وإثباتُ الصانع حقٌّ، وهذا الحق يلزم من ثبوته إبطال استدلالكم، بأن ما لم يخل من الحوادث فهو حادث.

وأما كون طريقكم مبتدعة ما سلكها الأنبياء، ولا أتباعهم، ولا سلف الأمة، فلأن كل من يعرف ما جاء به الرسول، وان كانت معرفته متوسطة، لم يصل في ذلك إلى الغاية يعلم أن الرسول لم يَدَعِ الناس في معرفة الصانع وتوحيده، وصدق رسله إلى الاستدلال بثبوت الأعراض، وأنها حادثة، ولازمة للأجسام، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث؛ لامتناع حوادث لا أول لها، فعلم بالاضطرار أن هذه الطريق لم يتكلم بها الرسول، ولا دعا إليها، ولا أصحابه، ولا تكلموا بها، ولا دعوا بها الناس، وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>