للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يقدر على أمور مباينة له، ومعلوم أن قدرة القادر على فعله المتصل به قبل قدرته على أمور مباينة له، فإذا قلتم: لا يقدر على فعل متصل به، لَزِم أن لا يقدر على المنفصل، فلزم على قولكم، أن لا يقدر على شيء، ولا أن يفعل شيئًا، فلزم أن لا يكون خالقًا لشيء، وهذا لازم للنفاة، لا مَحِيد لهم عنه.

ولهذا قيل: الطريق التي سلكوها حدوث العالم، وإثبات الصانع تناقض حدوث العالم، وإثبات الصانع، ولا يصح القول بحدوث العالم، وإثبات الصانع إلا بإبطالها، لا بإثباتها، فكان ما اعتمدوا عليه، وجعدوه أصولا للدين، ودليلًا عليه هو في نفسه باطلٌ شرعًا وعقلًا، وهو مناقض للدين، ومناف له.

ولهذا كان السلف والأئمة يَعِيبون كلامهم هذا، ويذمونه، ويقولون: مَن طَلَب العلم بالكلام تزندق، كما قال أبو يوسف، ويروى عن مالك، ويقول الشافعي: حكمي في أهل الكلام أن يُضرَبوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في العشائر، ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام، وقال الإمام أحمد به. حنبل: علماء الكلام زنادقة، وما ارتدى أحد بالكلام فأفلح.

وقد صدق الأئمة في ذلك، فإنهم يبنون أمرهم على كلام مُجْمَلٍ يروج على من لم يعرف حقيقته، فإذا اعتقد أنه حقّ، وتبين أنه مناقض للكتاب والسنة، بقي في قلبه مرض، ونفاق، وريب، وشك، بل طَعَن فيما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذه هي الزندقة، وهو كلام باطل من جهة العقل، كما قال بعض السلف: العلم بالكلام هو الجهل، فهم يظنون أن معهم عقليات، وإنما معهم جهليات، {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}، هذا هو الجهل المركب؛ لأنهم كانوا في شك وحيرة، فهم في ظلمات، بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور، أين هؤلاء من نور القرآن والإيمان، قال الله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ في زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>