للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان الإمام الحافظ الجوّال أبو عبد الله، محمد بن إسحاق يحيى بن منده من أئمة هذا الشأن، وثقاتهم، وُلد سنة (٣١٠ هـ) طوّف الأقاليم، وبقي في الرحلة نحوًا من أربعين سنة، وكتب بيده عدّة أحمال، وعدة شيوخه الذين سمع، وأخذ عنهم ألف وسبع مائة شيخ، ولمّا رجع من الرحلة الطويلة، كانت كتبه عدة أحمال، حتى قيل: إنها كانت أربعين حِمْلًا من الكتب والأجزاء، وما سُمع أن أحدًا من هذه الأمة سَمِعَ ما سَمِعَ، ولا جَمَعَ ما جَمَعَ، وكان ختام الرحالين، وفرد المكثرين، مع الحفظ والمعرفة والصدق، وكثرة التصانيف.

وقال جعفر المستغفريّ: ما رأيت أحدًا أحفظ من أبي عبد الله بن منده، سألته يومًا كم يكون سماعات الشيخ؟ قال: تكون خمسة آلاف منّ، قلت: المنّ يجيء عشرة أجزاء كبار. وقال الباطرقانيّ: سمعت أبا عبد الله يقول: طفتُ الشرق والغرب مرّتين.

توفّي ابن منده في سلخ ذي القعدة (٣٩٥ هـ). (١).

وكان محمد بن طاهر بن علي الحافظ العالم المكثر الجوال، أبو الفضل المقدسي المتوفّى سنة (٥٠٧ هـ) ما كان على وجه الأرض له نظير في عصره، قال السلفي: سمعت ابن طاهر يقول: كتبت "الصحيحين"، و"سنن أبي داود" سبع مرات بالأجرة، و"سنن ابن ماجه" عشر مرات بالري. قال أبو مسعود عبد الرحيم الحاجيّ: سمعت ابن طاهر يقول: بُلْتُ الدم في طلب الحديث مرتين: مرة ببغداد، ومرة بمكة، كنت أمشي حافيًا في الحرّ، فلحقني ذلك، وما ركبت دابةً قط في طلب الحديث، وكنت أحمل كتبي على ظهري، وما سألت في حال الطلب أحدًا، كنت أعيش على ما يأتي، وقيل: كان يمشي دائمًا في اليوم والليلة عشرين فرسخًا، وكان قادرًا على ذلك (٢).

وذكر الحافظ أبو إسحاق الْحَبّال قال: كنت يومًا عند أبي نصر السجزي (٣)، فَدُقّ


(١) المصدر السابق ٣/ ١٠٣١ - ١٠ - ٣٦.
(٢) المصدر السابق ٤/ ١٢٤٢ - ١٢٤٣.
(٣) هو الحافظ الإمام علم السنة، عبيد الله بن سعيد بن حاتم بن أحمد أبو نصر الوائلي =

<<  <  ج: ص:  >  >>