وعشرين ومائتين، وخرجت المرة الثانية سنة اثنتين وأربعين، ورجعت سنة خمس وأربعين، أقمت ثلاث سنين، وقَدِمت طَرَسوس سنة سبع عشرة، أو ثماني عشرة.
وقال عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: كنا في البحر، فاحتلمت، فأصبحت، وأخبرت أصحابي به، فقالوا لي: اغمس نفسك في البحر، قلت: إني لا أحسن أن أَسْبَح، فقالوا: إنا نَشُدّ فيك حبلًا، ونُعَلِّقُك من الماء، فشَدُّوا فيّ حبلًا وأرسلوني في الماء، وأنا في الهواء أريد إسباغ الوضوء، فلما توضأت، قلت لهم: أرسلوني قليلًا، فأرسلوني، فغمست نفسي في الماء، قلت: ارفعوني، فرفعوني.
وقال عبد الرحمن أيضًا: سمعت أبي يقول: لمّا خرجنا من المدينة من عند داود الجعفري، صرنا إلى الجار، وركبنا البحر، وكنا ثلاثة أنفس: أبو زهير الْمرْوَرُّوذِيّ شيخ، وآخر نيسابوري، فركبنا البحر، وكانت الريح في وجوهنا، فبقينا في البحر ثلاثة أشهر، وضاقت صدورنا، وفني ما معنا من الزاد، وبقيت بقية، فخرجنا إلى البر، فجعلنا نمشي أيامًا على البر، حتى فني ما معنا من الزاد والماء، فمشينا يومًا وليلةً لم يأكل أحد منا شيئًا، ولا شربنا، واليوم الثاني كمثله، واليوم الثالث، كل يوم نمشي إلى الليل، فإذا جاء المساء صلينا، وألقينا بأنفسنا حيث كنا، وقد ضَعُفت أبداننا من الجوع والعطش والعياء، فلما أصبحنا اليوم الثالث، جعلنا نمشي على قدر طاقتنا، فسقط الشيخ مغشيا عليه، فجئنا نحركه، وهو لا يعقل، فتركناه ومشينا أنا وصاحبي النيسايوري قدر فرسخ أو فرسخين، فضعفت، وسقطت مغشيا عليّ، ومضى صاحبي وتركني، فلم يزل هو يمشي إذ بَصُرَ من بعيد قومًا، قد قربوا سفينتهم من البر، ونزلوا على بئر موسى صلى الله عليه وسلم، فلما عاينهم لَوَّح بثوبه إليهم.
فجاءوه معهم الماء في إداوة، فسَقَوه، وأخذوا بيده، فقال لهم: الحقوا رفيقين لي قد القوا بأنفسهم مغشيّا عليهم، فما شَعَرت إلا برجل يصب الماء على وجهي، ففتحت عيني، فقلت: اسقني، فصب من الماء في ركوة، أو مشربة شيئًا يسيرًا، فشربت،