أنواع علم الحديث، مما يحتاج إليه طلبة الأخبار، المواظبون على كتابة الآثار، وأَعمِد في ذلك سلوك الاختصار، دون الإطناب في الإكثار.
ثم أخرج بسنده من طريق شعبة، عن معاوية بن قرة، قال: سمعت أبي، يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" لا يزال ناسٌ من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم، حتى تقوم الساعة"(١)
قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الأدمي بمكة، يقول: سمعت موسى بن هارون يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول -وسئل عن معنى هذا الحديث-: فقال: إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحابَ الحديث، فلا أدري من هم؟.
قال الحاكم: وفي مثل هذا قيل: مَن أَمَّر السنة على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالحقّ، فلقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يُرْفَع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث، ومن أحقّ بهذا التأويل من قوم، سلكوا مَحَجَّة الصالحين، واتبعوا آثار السلف من الماضين، ودَمَغُوا أهل البِدَع والمخالفين بسنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وعلى آله أجمعين، ومن قوم آثروا قَطْعَ المفاوز والقفار، على التنعم في الدِّمَنِ والأوطار وتَنَعَّمُوا بالبؤس في الأسفار، مع مُساكنة العلم والأخبار، وقَنِعُوا عند جمع الأحاديث والآثار، بوجود الكِسَر والأَطْمار، قد رَفَضُوا الإلحاد الذي تَتُوق إليه النفوس الشهوانية، وتوابعَ ذلك من البدع والأهواء، والمقاييسَ والآراء والزيغ، جعلوا المساجد بيوتهم، وأساطينها تُكَاهم، وبَوَاريها فُرُشهم.
ثم أخرج بسنده عن عمر بن حفص بن غياث، قال: سمعت أبي، وقيل له: ألا تنظر إلى أصحاب الحديث، وما هم فيه؟ قال: هم خير أهل الدنيا.
وأخرج أيضًا عن علي بن خَشْرَم يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: إني
(١) حديث صحيح، أخرجه الترمذيّ (٢١٩٢) ونقل عن البخاريّ، عن ابن المدينيّ قال: هم أهل الحديث، ورواه ابن ماجه، وتقدّم برقم (٦).