لأرجو أن يكون أصحاب الحديث خير الناس، يقيم أحدهم ببابي، وقد كتب عني، فلو شاء أن يرجع، ويقول: حدثني أبو بكر جميع حديثه فَعَل، إلا أنهم لا يكذبون.
قال الحاكم: ولقد صدقا جميعًا إن أصحاب الحديث خير الناس، وكيف لا يكونون كذلك، وقد نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم، وجعلوا غذاؤهم الكتابة، وسَمَرَهم المعارضة، واسترواحهم المذاكرة، وخَلُوقَهم المداد، ونومهم السُّهَاد، واصطلاءهم الضياء، وتوسدهم الحصى، فالشدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء، ووجود الرخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس، فعقولهم بلذاذة السنة غامرة، وقلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة، تَعَلُّم السنن سرورهم، ومجالس العلم حُبُورهم، وأهل السنة قاطبةً إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم.
قال الحاكم: سمعت أبا الحسين، محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول: سمعت أبا إسماعيل، محمد بن إسماعيل الترمذي يقول: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله، ذَكَروا لابن أبي قتيلة (١) بمكة أصحاب الحديث، فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد الله، وهو ينفض ثوبه، فقال: زنديق زنديق زنديق، ودخل البيت.
قال الحاكم: سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول: سمعت جعفر بن محمد بن سنان الواسطي يقول: سمعت أحمد بن سنان القطان يقول: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، وإذا ابتدع الرجل نُزع حلاوة الحديث من قلبه.
قال الحاكم: سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارا يقول: سمعت أبا نصر أحمد بن سلام الفقيه يقول: ليس شيء أثقل على أهل الإلحاد والبدع، ولا أبغض إليهم من سماع الحديث، وروايته بإسناده.
(١) قال ابن الصلاح: هو يحيى بن إبراهيم بن أبي قتيلة، بصريّ ليس بذاك، يروي عن مالك، وعبد الصمد بن محمد.