قال الحاكم: وعلى هذا عَهِدنا في أسفارنا وأوطاننا كُلَّ من يُنسَب إلى نوع من الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة، ويسميها الْحَشْوِيَّة.
قال الحاكم: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق الفقيه، وهو يناظر رجلًا، فقال الشيخ: حدثنا فلان، فقال له الرجل: دَعْنَا من حدثنا، إلى متى حدثنا؟ فقال له الشيخ: قم يا كافر، ولا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا، ثم التفت إلينا، فقال: ما قلت قط لأحد لا تدخل داري إلا لهذا. انتهى كلام الحاكم رحمه الله تعالى (١).
ومما كتبه الحافظ أبو بكر الخطيب في مدح أهل الحديث في كتابه "شرف أصحاب الحديث":
قال: وقد جعل الله تعالى أهله -يعني أهل الحديث- أركان الشريعة، وهَدَم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خليقته، والواسطة بين النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وأمته، والمجتهدون في حفظ ملّته، أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائرة، وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحُججهم قاهرة، وكلُّ فئة تتحيّز إلى هوى ترجع إليه، أو تستحسن رأيًا تعكُف عليه، سوى أصحاب الحديث، فإن الكتاب عُدّتهم، والسنّة حجتهم، والرسول فئتهم، وإليه نسبتهم، لا يعرّجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء، يُقبَل منهم ما رووا عن الرسول، وهم المأمونون عليه والعدول، حَفَظة الدين وخَزَنته، وأوعية العلم وحملته، إذا اختُلِف في حديث كان إليهم الرجوع، فما حكموا به فهو المقبول المسموع، ومنهم كلُّ عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارىء متقن، وخطيب محسن، وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم السبيل المستقيم، وكلُّ مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر، من كادهم قصمه الله، ومن عاندهم خذله الله، لا يضرّهم من خذلهم، ولا يُفلح من اعتزلهم، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله على نصرهم لقدير.