السنّة. وقالت المعتزلة: شرطه العمدية، ودليل خطاب هذه الأحاديث لنا، فإنه -صلى الله عليه وسلم- قيّده بالعمد لكونه قد يكون عمدًا، وقد يكون سهوًا، مع أن الإجماع، والنصوص المشهورة في الكتاب والسنّة متوافقة متظاهرة على أنه لا إثم على الناسي والغالط، فلو أطلق -صلى الله عليه وسلم- الكذب لتُوهّم أنه يأثم الناسي أيضًا، فقيّده، وأما الروايات المطلقة فمحمولة على المقيّدة بالعمد. والله تعالى أعلم. انتهى (١).
(مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتبَوَّأْ) أي فليتّخذ (مَقْعَدَهُ) بفتح الميم، وسكون القاف، وفتح العين المهملة: أي محلّ قعوده، والمراد منزله (مِنَ النَّارِ) بيان لمعقده، متعلّق بحال محذوف: أي حال كون ذلك المقعد كائنًا من النار.
وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: قوله: "فليتبوّأ الخ": أي ليتّخذ فيها منزلًا، فإنها مقرّه، ومسكنه، يقال: تبوّأت منزلًا: أي اتّخذته، ونزلته، وبوّأت الرجل منزلًا: أي هيّأته له، ومصدره باءة، ومباءة، وهذه صيغة أمر، والمراد بها التهديد، والوعيد. وقيل: معناها الدعاء: أي بوّأه الله ذلك. وقيل: معناها الإخبار بوقوع العذاب به في نار جهنّم، وكذلك القول في حديث عليّ -رضي الله عنه- الذي قال فيه:"يلج النار".
وقد روى أبو بكر البزّار هذا الحديث، وزاد: ليُضلّ به"، وقد اغترّ بهذه الزيادة ممن يقصد الخير، ولا يعرفه، فظنّ أن هذا الوعيد إنما يتناول من قصد الإضلال بالكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأما من قصد الترغيب في الأعمال الصالحة، وتقوية مذاهب أهل السنّة، فلا يتناوله، فوضع الأحاديث لذلك، وهذه جهالة؛ لأن هذه الزيادة تُروى عن الأعمش، ولا تصحّ عنه، وليست معروفة عند نَقَلَة ذلك الحديث مع شهرته، وقد رواها أبو عبد الله الحاكم المعروف بابن الْبَيّع من طرق كثيرة، وقال: إنها واهية، لا يصحّ منها شيء. ولو صحّت لما كان لها دليل خطاب، وإنما تكون تأكيدًا لقوله تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ}