[الثاني]: أنه في حقّ من كذب عليه يقصد به عيبه، أو شين الإسلام، وتعلّقوا في ذلك بما روي عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "من كذب عليّ، متعمّدًا، فليتبوّأ مقعده بين عيني جهنم"، قال: فشقّ ذلك على أصحابه، حتى عرف في وجوههم، وقالوا: يا رسول الله، قلت هذا، ونحن نسمع منك الحديث، فنزيد، وننقص، ونقدّم، ونؤخّر، فقال: لم أعنِ ذلك، ولكن عنَيتُ من كذب عليّ، يريد عيبي، وشين الإسلام.
[الثالث]: أنه إذا كان الكذب في الترغيب والترهيب، فإنه كذب للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، لا عليه.
[الرابع]: أنه ورد في بعض طرق الحديث: "من كذب عليّ متعمّدًا؛ ليضلّ به الناس، فليتبوّأ مقعده من النار"، فتُحمل الروايات المطلقة عليه.
[والجواب عن هذه الشُّبَه ما يلي]:
أما شبهتهم الأولى، فجوابها أن السبب المذكور لم يثبت إسناده، وبتقدير ثبوته، فإن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
وأما الشبهة الثانية: فجوابها أن الحديث باطل، كما قاله الحاكم، ففي إسناده محمد ابن الفضل بن عطيّة، اتّفقوا على تكذيبه، وقال صالح جزرة: كان يضع الحديث.
وأما الشبهة الثالثة: فجوابها أنه كذب عليه في وضع الأحكام، فإن المندوب قسم
= على ميل من المدينة، وكان رجل خطب منهم في الجاهليّة، فلم يزوّجوه، فأتاهم، وعليه حلّة، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كساني هذه، وأمرني أن أحكم في أموالكم، ودمائكم، ثم نزل علي تلك المرأة التي كان خطبها، فأرسل القوم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: كذب عدوّ الله، ثم أرسل رجلًا، فقال: إن وجدته حيّا فاضرب عنقه، وإن وجدته ميتًا، فاحرقه، فجاء، فوجده قد لدغته أفعى، فمات، فحرقه بالنار، فذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كذب عليّ متعمدًا ... " الحديث.