للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(تَكْذِبُوا عَلَيَّ) قال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: صدر هذا الحديث نهيٌ، وعجزه وعيد وشديدٌ. وقال في "الفتح": هو عام في كل كاذب، مطلق في كل نوع من الكذب، ومعناه لا تنسُبُوا الكذب إليّ، ولا مفهوم لقوله: "عليّ"؛ لأنه لا يُتَصَوَّر أن يُكذَب له؛ لنهيه عن مطلق الكذب. وقد اغتر قوم من الجهلة، فوَضعُوا أحاديث في الترغيب والترهيب، وقالوا: نحن لم نكذب عليه، بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته، وما دَرَوا أن تقويله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى؛ لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية، سواء كان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما، وهو الحرام والمكروه، ولا يُعْتَدُّ بمن يُخالَف ذلك من الكَرّامية، حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب، في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة، واحتجوا بأن كذب له لا عليه، وهو جهل باللغة العربية. وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت، وهي ما أخرجه البزار، من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- بلفظ: "من كذب عليّ ليضل به الناس" الحديث، وقد اختُلِف في وصله وإرساله، ورجح الدارقطني والحاكم إرساله، أخرجه الدارمي من حديث يعلى بن مُرّة بسند ضعيف، وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة، بل للصيرورة، كما فُسّر به قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ} الآية [الأنعام: ١٤٤]، والمعنى أن مآل أمره إلى الإضلال، أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، فلا مفهوم له، كقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} الآية [آل عمران: ١٣٠]، {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} الآية [الأنعام: ١٥١]، فإن قتل الأولاد، ومضاعفة الربا، والإضلال، في هذه الآيات، إنما هو لتأكيد الأمر فيها، لا لاختصاص الحكم. انتهى (١).

(فَإِنَّ) الفاء للتعليل، لأن (الْكَذِبَ عَلَيَّ يُولجُ النَّارَ) أي يدخل النارَ، برفع الفعل، والجملة خبر "إن"، وهو من وَلَجَ يَلِج وُلُوجًا وِلِجَةً من باب وعَدَ يَعِدُ: إذا دخل.


(١) "فتح" ١/ ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>