للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وانتصاب "النار" بتقدير "في"؛ لأن الفعل لازم، وهو من قبيل قولك: دخلتُ الدارَ، والتقدير: دخلت في الدار؛ لأن دخل لازم، واللازم لا يَنصب إلا بالصلة. (١).

وفي رواية البخاريّ: "فإنه من كذَبَ عليّ فليج النار". قال في "الفتح": قوله: "فليلج النار" جَعَلَ الأمر بالولوج مسببا عن الكذب؛ لأن لازم الأمر الإلزامُ، والإلزامُ بولوج النار سببه الكذب عليه، أو هو بلفظ الأمر، ومعناه الخبر، ويؤيده رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة، بلفظ: "من يكذب على يلج النار" انتهى (٢).

قال النوويّ رحمه الله تعالى: معنى الحديث أن هذا جزاؤه، وقد يُجازَى به، وقد يعفو الله الكريم عنه، ولا يُقطَع عليه بدخول النار، وهكذا سبيل كل ما جاء من الوعيد بالنار لأصحاب الكبائر غير الكفر، فكلها يقال فيها: هذا جزاؤه، وقد يجازى، وقد يُعفَى عنه، ثم إن جوزى، وأدخل النار فلا يخلد فيها، بل لابد من خروجه منها بفضل الله تعالى ورحمته، ولا يخلد في النار أحد مات على التوحيد، وهذه قاعدة متفق عليها عند أهل السنة. انتهى (٣).

وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى: هذا وعيدٌ شديدٌ عامٌّ في كلّ كاذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومطلق في أنواع الكذب، ولمّا كان كذلك هاب قوم من السلف الحديثَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كعمر، والزبير بن العوّام، وأنس بن مالك، وابن هرمز رضي الله تعالى عنهم أجمعين، فإن هؤلاء سمعوا كثيرًا، وحدّثوا قليلًا، كما صرّح الزبير -رضي الله عنه- بذلك لمّا قال له ابنه عبد الله -رضي الله عنه-: إني لا أسمعك تُحدّث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما يحدّث فلان وفلان؟ فقال: أما إني لم أكن أفارقه، ولكنّي سمعته يقول: "من كذب عليّ، فليتبوّأ مقعده من النار" (٤). وقال أنس -رضي الله عنه-: "إنه ليمنعني أن أُحدّثكم حديثًا


(١) راجع "عمدة القاري" ٢/ ١١٠.
(٢) "فتح" ١/ ٢٦٤.
(٣) "شرح النوويّ" ١/ ٦٨ - ٦٩.
(٤) راوه البخاريّ برقم (١٠٧) وأبو داود برقم (٣٦٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>