للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُعْرَف ذلك في وجهه، وكأنه نَذِير قوم يُصَبِّحهم الأمر غدوةً، وكان إذا كان حديث عهد بجبرائيل لم يتبسم ضاحكًا، حتى يرتفع عنه. وأخرج الطبراني والبزار من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه الوحيُ، أو وَعَظَ قلتُ: نذير قوم أتاهم العذاب، فإذا ذهب عنه ذلك رأيته أطلق الناس وجهًا، وأكثرهم ضحكًا، وأحسنهم بِشْرًا -صلى الله عليه وسلم- (١).

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): قوله: "فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مُوَدِّع فأوصنا" يدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان قد أبلغ في تلك الموعظة ما لم يُبْلِغ في غيرها، فلذلك فَهِمُوا أنها موعظة مُوَدِّع، فإن المُوَدِّع يَستقصِي ما لا يَستقصي غيره في القول والفعل، ولذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يصلي صلاة مودع (٢)؛ لأنه مَن استشعر أنه مُوَدِّع بصلاته أتقنها على أكمل وجوهها، وربما كان قد وقع منه -صلى الله عليه وسلم- تعريض في تلك الخطبة بالتوديع، كما عَرَّض بذلك في خطبته في حجة الوداع، وقال: "لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا"، وطَفِقَ يُوَدِّع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع، ولمّا رجع من حجه إلى المدينة جمع الناس بماء بين مكة والمدينة، يُسَمَّى "خُمّا"، وخطبهم وقال: "يا أيها الناس إنما أنا بشر مثلكم، يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه"، ثم حَضَّ على التمسك بكتاب الله، ووَصَّى بأهل بيته خيرًا، أخرجه مسلم. وفي "الصحيحين"، ولفظه لمسلم عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قتلى أُحُد، ثم صَعِدَ المنبر كالمُوَدِّع للأحياء والأموات، فقال: "إني فَرَطُكُم على الحوض، فإن عَرْضه كما بين أَيْلَة إلى الْجُحْفة، وإني لست أخشى عليكم أن تُشركوا بعدي، ولكن أخشى عليكم الدنيا تتنافسوا فيها، فتقتتلون فتهلكوا كما هلك


(١) المصدر السابق ٢/ ٨٧ - ٨٨.
(٢) هو حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: "صَلِّ صلاةَ مُوَدِّع كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، وايأسْ مما في أيدي الناس تَعِشْ غنيًّا، وإياك وما يُعتَذر منه". وهو حديث حسن. انظر "السلسلة الصحيحة" للشيخ الألباني رحمه الله تعالى رقم ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>