للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من كان قبلكم"، قال عقبة - رضي الله عنه -: فكان آخر ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر. وأخرج الإمام أحمد، ولفظه: صَلَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قتلى أحد بعد ثمان سنين، كالمودع للأحياء والأموات، ثم طَلَعَ المنبر، فقال: "أيها الناس إني فَرَطُكم، وأنا شهيد عليكم، وإِنَّ مَوْعِدكم الحوض، وإني لأنظر إليه، ولست أخشى عليكم الفقر، ولكن الدينا أن تنافسوها". وأخرج الإمام أحمد أيضا عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا كالمُوَدِّع، فقال: "أنا محمدٌ النبي الأمي" -قال ذلك ثلاث مرات- "ولا نبي بعدي، أوتيت فَوَاتح الكلم، وخواتمه، وجوامعه، وعلمتُ كم خزنة النار وحملة العرش؟ وتجَوَّزَ لي ربي، وعُوفيتْ أمتي، فاسمعوا وأطيعوا ما دُمتُ فيكم، فإذا ذُهِب بي فعليكم بكتاب الله، أَحِلُّوا حلاله، وحرموا حرامه".

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: فلعل في الخطبة التي أشار إليها العرباض ابن سارية -رضي الله عنه- في حديثه كانت بعض هذه الْخُطَبِ، أو شبيه بها مِمّا يُشعر بالتوديع (١).

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثامنة): أن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بتقوى الله والسمع والطاعة ولفظ أبي داود: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة" متضمّنٌ لأمرين مهمّين جدًّا، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: هاتان الكلمتان تجمعان سعادة الدنيا والآخرة.

أما التقوى فهي كافلة سعادة الدنيا والآخرة لمن تمسك بها، وهي وصية الله للأولين والآخرين، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: ١٣١]. وسيأتي تفسيرها، وشرح معناها مفصّلًا في المسألة التالية -إن شاء الله تعالى-.

وأما الطاعة لولاة أمور المسلمين، ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم، وبها يستعينون على إظهار دينهم، وطاعة ربهم، كما قال علي بن أبي طالب


(١) "المصدر السابق" ٢/ ٨٩ - ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>