للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ابن مسعود -رضي الله عنه- قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران:١٠٢]، قال: "أن يُطاعَ فلا يُعْصَى ويُذكَر فلا يُنسَى، وأن يُشكَر فلا يُكفَر".

وأخرجه الحاكم مرفوعًا، والموقوف أصحّ.

وشُكرُه يدخل فيه جميع فعل الطاعات. ومعنى ذكره "فلا يُنسَى" ذكرُ العبدِ بقلبه لأوامر الله في حركاته وسكناته وكلماته فيمتثلها، ولنواهيه في ذلك كله فيجتنبها.

وقد يغلب استعمالُ التقوى على اجتناب المحرمات، كما قال أبو هريرة -رضي الله عنه- وسُئل عن التقوى -فقال: هل أخذت طريقًا ذا شوك؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عدلتُ عنه، أو جاوزتُهُ، أو قصرتُ عنه، قال: ذاك التقوى.

وأخذ هذا المعنى ابنُ المعتزّ، فقال [من مجزُوّ الكامل]:

خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا ... وَكَبِيرَهَا فَهُوَ التُّقَى

وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَر ... ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرَ مَا يَرَى

لَا تَحْقِرَنَّ صَغِيرَةً ... إِنَّ الجِبَالَ مِنَ الحصَى

وأصل التقوى: أن يعلم العبد ما يُتَّقَى، ثم يَتَّقِي. قال عون بن عبد الله: تمام التقوى أن تبتغي علمَ ما لم تَعْلَم منها إلى ما عَلِمتَ منها.

وذَكَر معروف الكرخي عن بكر بن خنيس قال: كيف يكون متقيًّا من لا يدري ما يَتَّقِي؟، ثم قال معروف الكرخي: إذا كنت لا تحسن تَتَّقِي أكلتَ الربا، وإذا كنت لا تحسن تتقي لقيتْكَ امرأةٌ، فلم تَغُضَّ بصرك، وإذا كنت لا تحسن تتقي وضعت سيفك على عاتقك، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمحمد بن مسلمة: "إذا رأيت أمتي قد اختَلَفَتْ فاعْمِدْ إلى سيفك، فاضرب به أُحُدًا" (١). ثم قال معروف: ومجلسي هذا لعله كان ينبغي لنا أن


(١) حديث صحيحٌ، أخرجه أحمد ٣/ ٤٩٣. وسيأتي للمصنّف في "كتاب الفتن" ٢/ ١٣١٠ رقم (٣٩٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>