للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

آخر الشهر ليالي، وكان الناس يُصلّون على عهده -صلى الله عليه وسلم- المسجد فرادى وجماعات، لكن لم يُدَاوم بهم على الجماعة؛ خشية أن تُفرض عليهم، وقد أُمن ذلك بموته. وقد قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه أهل السنن، وصححه الترمذيّ وغيره: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كلّ بدعة ضلالة"، فما سنّه الخلفاء الراشدون ليس بدعةً شرعيّةً يُنهى عنها، وإن كان يُسمّى في اللغة بدعة، لكونه ابتُدىء، كما قال عمر -رضي الله عنه-: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل. انتهى (١).

وقال العلامة أبو إسحاق الشاطبيّ (٢) رحمه الله: أصل مادّة "بدع" للاختراع على غير مثال سابق، ومنه قول الله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: ١١٧، الأنعام: ١٠١]: أي مخترعهما من غير مثال سابق متقدّم، وقوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: ٩]: أي ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد، بل تقدّمني كثير من الرسل، ويقال: ابتدع فلان بدعة، يعني ابتدأ طريقة لم يسبقه إليها سابق. وهذا أمر بديع، يقال في الشيء المستحسن الذي لا مثال له في الحسن، فكأنه لم يتقدّمه ما هو مثله وما لا يُشبهه.

ومن هذا المعنى سمّيت البدعة بدعة، فاستخراجها للسلوك عليها هو الابتداع وهيئتها هي البدعة، وقد يُسمّى العمل المعمول على ذلك الوجه بدعة.

فمن هذا المعنى سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة، وهو إطلاق أخصّ منه في اللغة.

قال: ثبت في علم الأصول أن الأحكام المتعلّقة بأفعال العباد، وأقوالهم ثلاثة:


(١) "مجموع الفتاوى" ٢١/ ٣١٧ - ٣١٩.
(٢) هو العلامة الأصوليّ أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الغرناطيّ الشاطبيّ صاحب المصنفات النافعة كـ "الاعتصام" و"الموافقات" المتوفى سنة (٧٩٠ هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>