للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إن الله لا ينزع العلم من العباد بعد أن يتفضّل به عليهم، ولا يسترجع ما وَهَبَ لهم من العلم المؤدّي إلى معرفته، وبَثّ شريعته، وإنما يكون انتزاعه بتضييعهم العلم، فلا يوجد من يَخلُف من مضى، فأنذر -صلى الله عليه وسلم- بقبض الخير كله.

وكان تحديث النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك في حجة الوداع، كما رواه أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-، قال: لما كان في حجة الوداع قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خُذُوا العلم قبل أن يُقبَض، أو يرفع"، فقال أعرابي: كيف يُرفَع فقال: "ألا إنّ ذَهَاب العلم ذَهابُ حملته"، ثلاث مرات.

وقال ابن المُنَيِّر: مَحْوُ العلم من الصدور جائز في القدرة، إلا أن هذا الحديث دَلَّ على عدم وقوعه. انتهى.

(وَلَكِنْ) للاستدراك (يَقْبِضُ الْعِلْمَ) بكسر الموحّدة، من باب ضرب، والفعل مبنيّ للفاعل، والفاعل ضمير يعود إلى الله تعالى. وهو من قبيل إقامة الظاهر موضع المضمر؛ لزيادة تعظيم المضمر؛ إذ مقتضى الظاهر أن يقال: "ولكن يقبضه"، كما في قوله تعالى: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: ٢] بعد قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. قاله العينيّ (١) (بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ) أي بسبب توفّيهم.

[تنبيه]: هذا الحديث صريحٌ في أن المقبوض هو العلم لا العمل به، ويعارضه ما أخرجه الترمذيّ في "جامعه" من طريق جُبير بن نُفير، عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- مما يدلّ على أن الذي يُرفع هو العمل، ونصّه:

قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: كنا مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فشخص ببصره إلى السماء، ثم قال: "هذا أوانٌ يُخْتَلَسُ فيه العلم من الناس حتى لا يَقدِروا منه على شيء"، فقال زياد بن لبيد الأنصاريّ، وكيف يُختلس منّا، وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لنُقرأنّه، ولنقرأنه نساءنا وأبناءنا، فقال: "ثكِلتك أمّك يا زياد إن كنت لأعدّك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل


(١) "عمدة القاري" ٢/ ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>