(المسألة الرابعة): في تقسيم الرأي على ثلاثة أقسام:
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في كتابه القيّم "إعلام الموقّعين عن ربّ العالمين":
الرأي ثلاثة أقسام: رأي باطل بلا ريب، ورأي صحيح، ورأي هو موضع الاشتباه، والأقسام الثلاثة قد أشار إليها السلف، فاستعملوا الرأي الصحيح، وعملوا به، وأفتَوْا به، وسوّغوا القول به، وذمّوا الباطل، ومنعوا من العمل والفتيا والقضاء به، وأطلقوا ألسنتهم بذمّه وذمّ أهله.
والقسم الثالث سوّغوا العمل والفتيا والقضاء به عند الاضطرار إليه، حيث لا يُوجد منه بدٌّ، ولم يُلزموا أحدًا العمل به، ولم يُحرّموا مخالفته، ولا جعلوا مخالفه مخالفًا للدين، بل غايته أنهم خَيَّروا بين قبوله وردّه، فهو بمنزلة ما أُبيح للمضطرّ من الطعام والشراب الذي يَحرُم عند عدم الضرورة إليه، كما قال الإمام أحمد: سألت الشافعيّ عن القياس، فقال لي: عند الضرورة. وكان استعمالهم لهذا النوع بقدر الضرورة، لم يُفْرِطُوا فيه، ويُفَرّعوه، ويولّدوه، ويوسّعوه كما صنع المتأخّرون بحيث اعتاضوا به عن النصوص والآثار، وكان أسهل عليهم من حفظها، كما يوجد كثير من الناس يَضبط قواعد الإفتاء لصعوبة النقل عليه، وتعسّر حفظه، فلم يَتَعَدَّوا في استعماله قدر الضرورة، ولم يَبْغُوا العدول إليه مع تمكّنهم من النصوص والآثار، كما قال تعالى في المضطرّ إلى الطعام المحرّم:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[البقرة: ١٧٣]، فالباغي: الذي يبتغي الميتة مع قدرته على التوصّل إلى المذكّى، والعادي: الذي يتعدّى قدرَ الحاجة بأكملها.
فالرأي الباطل أنواع:
[أحدها]: الرأي المخالف للنّصّ، وهذا مما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام فساده وبطلانه، ولا تحلّ الفُتيا به ولا القضاء، وإن وقع فيه مَن وقع بنوع تأويل وتقليد.
[النوع الثاني]: هو الكلام في الدين بالْخَرْص والظنّ، مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص، وفهمِها، واستنباط الأحكام منها، فإن مَن جهلها، وقاس برأيه فيما