للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سُئل عنه بغير علم، بل لمجرّد قدر جامع بين الشيئين أُلحق أحدهما بالآخر، أو لمجرّد قدر فارقٍ يراه بينهما يُفرّق بينهما في الحكم، من غير نظر إلى النصوص والآثار، فقد وقع في الرأي المذموم الباطل فضلّ وأضلّ.

[النوع الثالث]: الرأي المتضمّن تعطيل أسماء الربّ وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهلُ البدع والضلال، من الجَهْميّة، والمعتزلة، والقدريّة، ومن ضاهاهم، حيث استعمل أهله قياساتهم الفاسدة، وآرائهم الباطلة، وشُبَههم الداحضة في ردّ النصوص الصحيحة الصريحة، فردّوا لأجلها ألفاظ النصوص التي وجدوا السبيل إلى تكذيب رُواتها وتخطئتهم، ومعاني النصوص التي لم يجدوا إلى ردّ ألفاظها سبيلًا، فقابلوا النوع الأول بالتكذيب، والنوع الثاني بالتحريف والتأويل، فأنكروا لذلك رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة، وأنكروا كلامه، وتكليمه لعباده، وأنكروا مُباينته للعالم، واستواءه على عرشه، وعُلُوّه على المخلوقات، وعموم قدرته على كلّ شيء، بل أخرجوا أفعال عباده من الملائكة والأنبياء والجنّ والإنس عن تعلّق قدرته ومشيئته وتكوينه لها، ونَفَوا لأجلها حقائق ما أخبر به سبحانه وتعالى عن نفسه، وأخبر به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من صفات كماله، ونعوت جلاله، وحَرَّفوا لأجلها النصوص عن مواضعها، وأخرجوها عن معانيها وحقائقها بالرأي المجرّد الذي حقيقته أنه ذُبالة (١) الأذهان، ونُخالة الأفكار، وعُفارة الآراء، ووساوس الصدور، فملؤوا به الأوراق سوادًا، والقلوب شكوكًا، والعالم فسادًا.

وكلُّ من له مُسكة من عقل يَعلَم أن فساد العالم وخرابه إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل، وما استَحكَم هذان الأصلان الفاسدان في قلب إلا استَحكَم هلاكه، ولا أمّة إلا فسد أمرُها أتمّ فساد، فلا إله إلا الله كم نُفي بهذه الآراء من حقّ، وأُثبت بها من باطل، وأُميت بها من هُدى، وأُحيي بها من ضلالة؟ وكم هُدم


(١) الذُّبالة بالضم: فتيلة السراج. قاله في "اللسان".

<<  <  ج: ص:  >  >>