كتاب مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه

٨ - باب اجتناب الرأي والقياس - ج: 2 - ص: 197

وهذا الأثر لا يوجد في النسخ المطبوعة، وذكر بعضهم (١) أنها ثابتة في نسخة البوصيريّ التي عليها كتاب "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه".

قلت: أخرج هذا الأثر الحافظ أبو بكر الخطيب في "تاريخه" ١٣/ ٤١٣ من طريق أخرى، ولفظه: قال سفيان -هو ابن عيينة-: لم يزل أمر الناس معتدلًا حتّى غيّر أبو حنيفة بالكوفة، وعثمان الْبَتّيّ بالبصرة، وربيعة بن أبي عبد الرحمن بالمدينة، فنظرنا، فوجدناهم من أبناء سبايا الأمم" (٢).

وأخرجه الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" من طريق موسى ابن هارون بن إسحاق الهمدانيّ، عن الحميديّ، عن ابن عيينة قال: "لم يزل أمر أهل الكوفة معتدلًا حتى نشأ فيهم أبو حنيفة". قال موسى: "وهو -يعني أبا حنيفة- من أبناء سبايا الأمم، أمه سِنْديّة، وأبوه نَبَطيّ، قال: والذين ابتدعوا الرأي ثلاثة، وكلّهم من أبناء سبايا الأمم، وهم: ربيعة بالدينة، وعثمان البتّي بالبصرة، وأبو حنيفة بالكوفة. انتهى (٣). قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الإمام أبو حنيفة رحمه الله إمام جليل مشهور، وإنما عِيب عليه إغراقه في الرأي، ولقد أنصف فيه الحافظ أبو عمر رحمه الله حيث قال -بعد أن ذكر أقوال الذامين له-: ما نصّه:

وأفرط أصحاب الحديث في ذمّ أبي حنيفة رحمه الله، وتجاوزوا الحدّ في ذلك، والسبب الوجب له عندهم إدخاله الرأي والقياس على الآثار، واعتبارهما، وأكثر أهل العلم يقولون: إذا صحّ الأثر من جهة الإسناد بطل القياس والنظر، وكان ردّه لما ردّ من الأحاديث بتأويل محتمل، وكثير منه قد تقدّمه إليه غيره، وتابعه عليه مثله ممن قال

---

(١) هو الشيخ عليّ حسن في تخريجه لهذا الكتاب ١/ ٤١ قال: فلعله تعمّد حذفها من السنن المطبوعة اليوم بعض المتعصّبة لأبي حنيفة، فإنه المراد بقوله: "فلان"، كما صرّحت به رواية ابن عبد البرّ، كما هو مخرّج في "الضعيفة". انتهى.
(٢) راجع "السلسلة الضعيفة" للشيخ الألبانيّ ٩/ ٣٢١ - ٣٢٢.
(٣) راجع "جامع بيان العلم وفضله" ٢/ ١٠٧٩.