للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

كمال الله تعالى، واجبان له، إذ ليست أوصاف كمال الله وجلاله مستفادة من غيره، بل هي واجبة الوجود لذواتها بحيث لا يجوز عليه العدم، ولا النقص، ولا يجوز عليه تعالى نقيض شيء من ذلك، فكماله وجلاله حقيقة له بخلاف كمالنا، فإنه مستفاد من الله تعالى، ويجوز عليه العدم، وطروء النقيض والنقص، وإذا كان هذا فالتكبّر والتعاظم خَرَقٌ منّا، ومستحيلٌ في حقّنا، ولذا حرّمهما الشرع، وجعلهما من الكبائر؛ لأن من لاحظ كمالَ نفسه ناسيًا منّة الله تعالى عليه فيما خصه به كان جاهلًا بنفسه وبربّه، مغترّا بما لا أصل له، وهي صفة إبليس الحاملة له على قوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} [الأعراف: ١٢]، وصفة فرعون الحاملة له على قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: ٢٤]، ولا أقبح مما صارا إليه، فلا جَرَمَ كان فرعون وإبليس أشدّ أهل النار عذابًا، نعوذ بالله من الكبر والكفر.

وأما من لاحظ من نفسه كمالًا، وكان ذاكرًا فيه منّة الله تعالى عليه به، وأن ذلك من تفضّله تعالى ولطفه، فليس من الكبر المذموم في شيء، ولا من التعاظم المذموم، بل هو اعترافٌ بالنعمة، وشكرٌ على المنّة.

والتحقيق في هذا أن الخلق كلهم قوالَب وأشباح، تجري عليهم أحكام القدرة، فمن خصّه الله تعالى بكمال، فذلك الكمال يرجع للمكمّل الجاعل، لا للقالب القابل، ومع ذلك فقد كمل الله الكمال بالجزاء، والثناء عليه، كما قد نقص النقص بالذمّ والعقوبة عليه، فهو المعطي، والمثني، والمبتلي، والمعافي، كيف لا وقد قال العليّ الأعلى: "أنا الله خالق الخير والشرّ، فطوبى لمن خلقته للخير، وقدّرته عليه، والويل لمن خلقته للشرّ، وقدّرته عليه" (١). فلا حيلة تعمل مع قهر، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣].

ولمّا تقرّر أن الكبر يستدعي متبَّرًا عليه، فالمتكبَّرُ عليه إن كان هو اللَّهَ تعالى، أو رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو الحقّ الذي جاءت به رسله، فذلك الكبر كفرٌ، وإن كان غير ذلك، فذلك الكبر معصيةٌ وكبيرة، يُخاف على المتلبّس بها المصرّ عليها أن تُفضي به إلى الكفر، فلا


(١) أخرجه ابن شاهين في "شرح السنّة" عن أبي أمامة بإسناد ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>