للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يدخل الجنّة أبدًا، فإن سلم من ذلك، ونفذ عليه الوعيد عوقب بالإذلال والصَّغَار، أو بما شاء الله من عذاب النار، حتى لا يبقى في قلبه من ذلك الكبر مثقال ذرّة، وخلص من خُبْث كبره حتى يصير كالذرّة، فحينئذ يتداركه الله برحمته، ويُخلّصه بإيمانه وبركته، وقد نصّ على هذا المعنى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في المحبوسين على الصراط لمّا قال: "حتى إذا هُذِّبُوا، ونُقّوا أُذن لهم في دخول الجنّة" (١). والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ (٢).

وقال النوويّ رحمه الله: وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر"، فقد اختُلِف في تأويله، فذكر الخطابي فيه وجهين:

[أحدهما]: أن المراد التكبر عن الإيمان، فصاحبه لا يدخل الجنة أصلًا إذا مات عليه.

[والثاني]: أنه لا يكون في قلبه كبر حال دخوله الجنة، كما قال الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} [الحجر: ٤٧]، وهذان التأويلان فيهما بُعْدٌ، فإن هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكبر المعروف، وهو الارتفاع على الناس، واحتقارهم، ودفع الحقّ، فلا ينبغي أن يُحمَل على هذين التأويلين المُخرِجين له عن المطلوب، بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين، أنه لا يدخل الجنة دون مجازاة إن جازاه.

وقيل: هذا جزاؤه لو جازاه، وقد يتكرم بأنه لا يجازيه، بل لا بُدّ أن يدخل كل الموحدين الجنة إمّا أوّلًا وإمّا ثانيًا بعد تعذيب بعض أصحاب الكبائر الذين ماتوا مُصِرّين عليها، وقيل: لا يدخلها مع المتقين أَوّلَ وَهْلَة. انتهى (٣).

[تنبيه]: زاد في رواية مسلم من طريق فضيل الْفُقَيميّ، عن إبراهيم النخعيّ: قال رجل: إن الرجل يُحِبّ أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنةً، قال: "إن الله جميل يحب


(١) رواه البخاريّ في "صحيحه" (٦٥٣٥) وأحمد في "مسنده" ٣/ ١٣ و٦٣ و ٧٤.
(٢) "المفهم" ١/ ٢٨٦ - ٢٨٨.
(٣) راجع "شرح مسلم" ٢/ ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>