للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يوم القيامة لإخوانهم، وبه يتم الكلام ويتوجه. هذا آخر كلام القاضي رحمه الله (١).

وليس الأمر على ما قاله، بل جميع الروايات التي ذكرناها صحيحة، لكل منها معنى حسن، وقد جاء في رواية يحيى بن بكير عن الليث: "فما أنتم بأشدّ مناشدةً في الحق، قد تبين لكم، من المؤمنين يومئذ للجبار تعالى وتقدس، إذا رأوا أنهم قد نَجَوا في إخوانهم"، وهذه الرواية التي ذكرها الليث تُوضح المعنى، فمعنى الرواية الأولى والثانية: إنكم إذا عَرَضَ لكم في الدنيا أمر مُهِمّ، والتبس الحال فيه، وسألتم الله تعالى بيانه، وناشدتموه في استيضائه، وبالغتم فيها، لا تكون مناشدةُ أحدكم بأشدّ من مناشدة المؤمنين لله تعالى في الشفاعة لإخوانهم.

وأما الرواية الثالثة والرابعة: فمعناهما أيضًا: ما منكم من أحد يناشد الله تعالى في الدنيا في استيفاء حقه، أو استقصائه، وتحصيله من خصمه، والمُعْتَدِي عليه بأشد من مناشدة المؤمنين الله تعالى في الشفاعة لإخوانهم يوم القيامة. والله أعلم. انتهى كلام النوويّ (٢).

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (يَقُولُونَ) أي المؤمنون (رَبَّنَا) بتقدير حرف النداء: أي يا ربّنا (إِخْوَانُنَا) خبر لمحذوف، أي هم إخواننا، أو هو مبتدأ، خبره جملة قوله: (كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا، وَيَصُومُونَ مَعَنَا، وَيَحُجُّونَ مَعَنَا) أي كانوا يفعلون هذه العبادات في الدنيا، كما كنّا نفعلها، فليس المراد اجتماعهم على فعلها، فإنه لا يشترط ذلك (فَأَدْخَلْتَهُمُ النَّارَ، قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (فَيَقُولُ) أي الله سبحانه وتعالى (اذْهَبُوا، فَأَخْرِجُوا) هذه الرواية صريحة في كون الإخراج للمؤمنين، وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند البخاريّ: "أمر الملائكة أن يُخرِجوهم".

وفي حديث أنس -رضي الله عنه- عنده قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فَيَحُدّ لي حدّا، فأخرجهم"، ويُجمع بأن الملائكة يُؤمرون على ألسنة الرسل بذلك، فالذين يباشرون الإخراج هم الملائكة. قاله


(١) "إكمال المعلم" ١/ ٥٦٠.
(٢) "شرح صحيح مسلم" ٣/ ٣٠ - ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>