وقال في "الفتح": و "تكون" هنا بمعنى "تصير"، ومعناه أنها تكون بتلك الصفة مدة الأربعين، ثم تنقلب إلى الصفة التي تليها، ويحتمل أن يكون المراد تصييرها شيئًا فشيئًا، فيخالط الدم النطفة في الأربعين الأولى بعد انعقادها وامتدادها، وتجري في أجزائها شيئًا فشيئًا، حتى تتكامل عَلَقَةً في أثناء الأربعين، ثم يخالطها اللحم شيئًا فشيئًا إلى أن تشتد، فتصير مضغةً، ولا تسمى عَلَقَة قبل ذلك ما دامت نطفةً، وكذا ما بعد ذلك من زمان العلقة والمضغة.
وأما ما أخرجه أحمد من طريق أبي عبيدة قال: قال عبد الله رفعه: "إن النطفة تكون في الرحم أربعين يومًا على حالها لا تتغير"، ففي سنده ضعف وانقطاع، فإن كان ثابتا حُمِل نفي التغير على تمامه: أي لا تنتقل إلى وصف العلقة إلا بعد تمام الأربعين، ولا ينفي أن المني يستحيل في الأربعين الأولى دمًا إلى أن يصير علقة. انتهى.
وقد نقل الفاضل علي بن المهذّب الحمويّ الطبيب اتفاق الأطباء على أن خلق الجنين في الرحم يكون في نحو الأربعين، وفيها تتميز أعضاء الذكر دون الأنثى؛ لحرارة مزاجه وقُواه، وأُعيد إلى قوام المنيّ الذي تتكون أعضاؤه منه ونضجه، فيكون أقبل للشكل والتصوير، ثم يكون عَلَقَة مثل ذلك، والْعَلَقة قطعة دم جامد، قالوا: وتكون حركة الجنين في ضِعْفِ المدة التي يُخلَق فيها، ثم يكون مضغة مثل ذلك، أي لحمةً صغيرةً، وهي الأربعون الثالثة، فتتحرك، قال: واتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر.
وذكر الشيخ شمس الدين ابن القيم أن داخل الرحم خَشِنٌ كالسفنج، وجعل فيه قبولا للمنيّ كطلب الأرض العطشى للماء، فجعله طالبًا مشتاقًا إليه بالطبع، فلذلك يمسكه، ويشتمل عليه، ولا يُزْلِقُهُ، بل ينضم عليه؛ لئلا يفسده الهواء، فيأذن الله لملك الرحم في عقده وطبخه أربعين يومًا، وفي تلك الأربعين يُجمَع خلقه، قالوا: إن المنيّ إذا اشتمل عليه الرحم، ولم يَقذِفه استدار على نفسه، واشتد إلى تمام ستة أيام، فينقط فيه ثلاث نقط، في مواضع القلب، والدماغ، والكبد، ثم يظهر فيما بين تلك النقط خطوط