للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبه إلى الإمامِ أبي الفَرَجِ: أنا أبو بكرٍ العامريُّ: أنا عليُّ بن أبي صادقٍ: أنا أبو عبد الله بن باكويه: حدثني عيسى بن يوسفَ: ثنا أحمدُ بن محمد الزنجانيُّ، قال: سمعتُ أبا عليٍّ البصريَّ، وأبا نصرٍ الروميَّ، قالا: سمعنا أبا الحارثِ الأولاسيَّ يقول: أقبلتُ من جبل اللكامِ مع أبي إسحاقَ العلويِّ، وكان أبو إسحاقَ لا يأكلُ إلا في كلِّ ثلاثةً سَفَّاتِ خرنوبٍ، فلقينا امرأةً، وقد سَخَّر جنديٌّ حمارًا لها، فاستغاثت بنا، فكلَّمه العلويَّ، فلم يردَّهُ عليها، فدعا عليه، فخرَّ الجنديُّ والمرأةُ والحمارُ، ثم أفاقت المرأة، ثم أفاق الحمار، ومات الجندي.

فقلت: لا أصحبُك؛ فإنك مستجابُ الدعوة، وأخشى أن يبدوَ مني سوءُ أدب، فتدعوَ عليَّ فقال: لستَ تأمنُ؟ قلت: لا، قال: فأقللْ إذًا من الدنيا ما استطعتَ.

ولقد رأينا كثيرًا من المؤذية لم يمهلهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- حتى يبلغوا مناهم، وقد رأينا كل من بغى وتعدى على الناس لم يمهل إلا يسيرًا حتى أُخذ، والمؤذي قصيرُ العمر، وإنما يستطوِلُ الناسُ أعمارَهم؛ لسآمة النفوس من أذاهم، وتَلْقاهم يُصيبهم من الأذى أكثرُ مما يؤذون الناس، وما قطُّ بغى قومٌ إلا قَرَضهم الله قرضًا سريعًا.

وقد رأينا غيرَ طائفة يبغون، فيمحقهم الله كلَّهم سريعًا، ويصيرون في حال الضرورة، وكان رجل في زمننا، يقال له: أبو كلب، كان غالبُ الناس يخاف منه، ويتقي شرَّه، حتى الحكامُ لم تكن تقدر عليه، وتعجز عنه، وقد لقيتُه قبل قتله بمدة، فقلت له: كيف أنت؟

فقال: بشرٍّ والله يا شيخ، ليس نومنا نوم، ولا نهارنا نهار، ونحن

<<  <   >  >>