للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثنا أحمدُ بن أبي الحواريِّ: ثنا وهبُ بن زيدِ بن عبيدٍ، عن خليدٍ، عن الحسنِ، قال: احترقتْ أخصاصُ البصرة، وبقي في وسطها خصٌّ لم يحترقْ، وأمير البصرة يومئذ أبو موسى الأشعري، فخبر بذلك، فبعث إلى صاحب الخص، فأتُي به، فإذا شيخُ فقال: يا شيخ ما بالُ خُصِّك لم يحترقْ؟ قال: إني أقسمتُ على ربي أن لا يحرقه، فقال أبو موسى: أما إني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يَكُونُ في أُمَّتِي رِجَالٌ طُلْسٌ رُؤُوسُهُمْ، دُنْسٌ ثِيَاُبُهُمْ، لَوْ أَقْسَمُوا عَلَى الله -عَزَّ وَجَلَّ- لأَبَرَّهُمْ".

وقد روينا في "الزهد" للإمامِ أحمدَ: أن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قال لموسى لما بعثه إلى فرعون: واعلم أنه لم يتزين لي العبادُ بزينة هي أبلغُ من الزهد في الدنيا، فإنها زينةُ المتقين، عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع، سيماهم في وجوههم من أثر السجود، أولئك أوليائي حقًا، فإذا لقيتَهم، فاخفضْ لهم جناحَك، وذَلِّلْ لهم قلبَك ولسانَك، واعلمْ أنه من أهان لي وَليًا، أو أخافَه، فقد بارزَني بالمحاربة، وبادَأَني، وعَرَّضَ بنفسه، ودعاني إليها، وأنا أسرعُ شيءٍ إلى نُصرةِ أوليائي، أفيظنُّ الذي يُحاربني أن يقومَ لي؟ أو يظنُّ الذي يُعاديني أن يُعجزني؟ أو يظنُّ الذي يُبارزني أن يَسبقني، أو يَفوتني؟ وكيف وأنا الثائرُ لهم في الدنيا والآخرة، لا أَكِلُ نُصرَتَهم إلى غيري؟ (١)

وكان فرعونُ قد تحصَّنَ من موسى، وجعل على أبوابه الحَجَبَة، ومعهم الأُسْدُ لأجل موسى، فلما رأته الأسدُ صاحتْ صياحَ الثعالبِ، وجعلتْ تلوذُ به، وتحرسُه، وتحوطه.


(١) رواه الإمام أحمد في "الزهد" (ص: ٦٥).

<<  <   >  >>