وابن ماجه، والدارقطني؛ فإنه سمع كل واحد منها مرّات عدّة. وأول كتاب حفظه في الحديث «الجمع بين الصحيحين» للإمام الحُمَيدي.
وقلّ كتاب من فنون العلم إلّا وقف عليه. كأنّ الله قد خصّه بسرعة الحفظ وإبطاء النسيان. لم يكن يقف على شيء أو يستمع لشيء غالبًا إلا ويبقى على خاطره، إمّا بلفظه أو معناه.
وكان العلم كأنّه قد اختلط بلحمه ودمه وسائره، فإنه لم يكن له مستعارًا، بل كان له شِعارًا ودثارًا. لم يزل آباؤه أهل الدراية التامة والنقد، والقدم الراسخة في الفضل. لكن جمع الله له ما خرق بمثله العادة، ووفقه في جميع عمره لأعلام السعادة، وجعل مآثره لإمامته أكبر شهادة، حتى اتفق كلُّ ذي عقل سليم أنّه ممن عنى نبينا - صلى الله عليه وسلم - بقوله:«إنّ الله يبعث على رأس كل مئة سنة من يجدِّد لهذه الأمة أمرَ دينها»(١). فلقد أحيا الله به ما كان قد دَرَس من شرائع الدين، وجعله حجة على أهل عصره أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
(١) أخرجه أبو داود (٤٢٩١)، والحاكم: (٤/ ٥٢٢) وصححه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر «المقاصد الحسنة» (ص ١٢١).