في أنّ الله جعله حُجّة في عصره ومعيارًا للحق والباطل
وهذا أمرٌ قد اشتهر وظهر، فإنه ــ رضي الله عنه ــ ليس له مُصنَّف ولا نصٌّ في مسألة ولا إفتاء إلّا وقد اختار فيه ما رجّحه الدليل النقلي والعقلي على غيره، وتحرّى قول الحق المحض فبرهن عليه بالبراهين القاطعة الواضحة الظاهرة، بحيث إذا سمع ذلك ذو الفطرة السليمة يثلج قلبه بها، ويجزم بأنها الحق المبين. وتراه في جميع مؤلفاته إذا صحّ الحديث عنده يأخذ به ويعمل بمقتضاه، ويقدّمه على قول كل قائل من عالم ومجتهد، وإذا نظر المنصف إليه بعين العدل يراه واقفًا مع الكتاب والسنة لا يُميله عنهما قولُ أحد كائنًا من كان، ولا يرائي في الأخذ بعلومهما أحدًا، ولا يخاف في ذلك أميرًا ولا سلطانًا ولا سوطًا ولا سيفًا، ولا يرجع عنهما لقول أحد، وهو متمسّك بالعروة الوثقى، واليد الطولى، وعاملٌ بقوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}[النساء: ٥٩] وبقوله تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشورى: ١٠].
وما سمعت أنه اشتهر عن أحد منذ دهر طويل ما اشتهر عنه من كثرة متابعته للكتاب والسنة، والإمعان في تتبّع معانيهما، والعمل بمقتضاهما. ولهذا لا يُرى في مسألة أقوال العلماء إلا وقد أفتى بأبلغها موافقةً للكتاب والسنة، وتحرّى الأخذ بأقومها من جهة المنقول والمعقول.