للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو بذام؟ فيجازي المحقَّ دار السلام، والمبطل دار الانتقام. فبعضهم صَبَا إلى أقوالهم تقليدًا، وصار في حقّ هذا الإمام جبّارًا عنيدًا، وأحسّ بذلك من العامّة قوم قد أصبحوا للحكام عبيدًا، وتصوروا أن أخذهم بزمام حصول المال يكون شديدًا، فأصبحوا وهم لهم مصدِّقين، وفي طاعتهم سابقين (١)، فاجتمع من هذا التركيب العديد، بحيث عاداه أكثر السادات والعبيد، كلٌّ بحسب غرضه الفاسد، وهو مع ذلك كلّما رأى تحاشدهم في مباينته وتعاضدهم في مناقضته، لا يزداد للحقّ إلا انتصارًا، ولكثرة حججه وبراهينه إلا إظهارًا.

ولقد سُجن أزمانًا وأعصارًا، ولم يولّهم دُبُره فرارًا. ولقد قصد أعداؤه الفتكَ به مرارًا، وأوسعوا حيلهم عليه إعلانًا وإسرارًا، فجعل الله حفظه منهم له شعارًا ودثارًا، ولقد ظنُّوا أن في حبسه مشينة، فجعله الله له فضيلة وزينة، وظهر له يوم موته ما لو رآه وادُّه أقرَّ به عينيه، فإن الله تعالى لعلمه بقرب أجله، ألبسه من الفراغ عن الخلق للقدوم على الحق أجمل حلله، كونه حُبِس على غير جريرة ولا جريمة، بل على قوّة في الحقّ وعزيمة، هذا مع ما نشر الله له من علومه في الآفاق، وبهر بفنونه البصائرَ والأحداق، وملأ بمحاسن مؤلفاته الصُّحف والأوراق، كبتًا ورغمًا للأعداء أهل البدع المضلة والأهواء.


(١) كذا وصوابها: «مصدقون ... سابقون».

<<  <   >  >>