للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشهادة، ووعدهم على قيامهم النصر والظفر والأمن وزوال الخوف، فانْتُدِب منهم رجال من وجوههم وكبرائهم وذوي الأحلام منهم، فخرجوا معه إلى حضرة السلطان غازان، فلمّا رآهم السلطان قال: من هؤلاء؟ فقيل: هم رؤساء دمشق، فأذن لهم، فحضروا بين يديه، فتقدم الشيخ رضي الله عنه أوّلًا، فلمّا أن رآه أوقع الله له في قلبه هيبة عظيمة رضي الله عنه، حتى أدناه وأجلسه، وأخذ الشيخ في الكلام معه أوّلًا في عكس رأيه عن تسليط المخذول (١) ملك الكرج على المسلمين، وضمن له أموالًا، وأخبره بحرمة دماء المسلمين، وذكَّره ووعظه. فأجابه إلى ذلك طائعًا، وحُقِنت بسببه دماء المسلمين، وحُميت ذراريهم، وصين حريمهم.

وحدّثني مَن أثق به عن الشيخ كمال الدين ابن المنجّا (٢) قدّس الله روحه قال: كنت حاضرًا مع الشيخ حينئذ، فجعل ــ يعني الشيخ ــ، يُحدث السلطان بقول الله ورسوله في العدل وغيره، ويرفع صوته على السلطان حتى جثا على ركبتيه، وجعل يقرب منه في أثناء حديثه، حتى لقد قرب أن تلاصق ركبته ركبة السلطان، والسلطان مع ذلك مقبلٌ عليه بكُلّيته، مُصْغٍ لما يقول، شاخص إليه لا يعرض عنه. وأن السلطان من شدّة ما أوقع الله له في قلبه من المحبة والهيبة سأل من يخصه من أهل حضرته: من هذا الشيخ؟ وقال ما معناه: إني لم أر مثله ولا أثبت قلبًا منه، ولا أوقع من حديثه في قلبي، ولا رأيتني أعظم انقيادًا مني لأحد منه، فأخبر بحاله، وما هو عليه من العلم والعمل، وسأله إن أحببت أن أعمر لك بلد آبائك حرّان،


(١) (ط، ك): «المخزول».
(٢) في «ذيل مرآة الزمان»: (١/ ٢٥٥) وغيره: «وجيه الدين بن المنجا».

<<  <   >  >>