يره أحد قط غَضِبَ على أحدٍ، ولقد خرج هو وأخوه إلى بعض البساتين فعرَّوهم ثيابهم وأخذوا ما كان معهم، ثم قالَ لى بعد ذلك عرفت منهم واحدًا. قلتُ: ما قلت له؟ قال: قلت له لا تعد إلى مثل ذلك. قلت: من هو؟ قال: لا أفضحه ولا أعلمُ به أحدًا. وكان يقضى حوائج الإخوان ويهتم لهم ما يهتم لنفسه، ويلتقط المنبوذات ويقول: الأصل فى جميع الأشياء الطهارة حتى فى الأرواث، وكانت معه مشيخة الضِّيائية، وكان كثير الذّكر والتلاوة، لا يَظُنُّ فى أحدٍ بشر ولا بنجس، وإذا رأى من أحدٍ شرًّا وجه له وجهًا حسنًا، يلبس الأشياء الحقيرة، قليل أكل الفاكهة، يأكل فى السَّنة المشمشة الواحدة، ويأكل بالحكمة، ولا يأكل الملح، ويذكر أنه وقع فى البَحر فامتلأ جوفه منه فلا يقدر على أكله، لا يسمع دعاءً إلا حَفظه ولا حديثًا ولا أثرًا إلا عَمِلَ به وأمر به أصحابه وانتفع به خلقٌ كثيرٌ، لو حَلَفَ الحالفُ أنه لم يرَ مِثْلَه دينًا وزهدًا وتواضعًا لا فى الحنابلة ولا فى غيرهم لم يَحْنَث. سمعتُهُ يقولُ: حَصَلَ لى ما لا يحصل لأحد صعدت على ظهرِ بيتِ الله كتبت عليه جزءًا من القرآن ابتداء مصحف. قلت: وهذا المصحف قرأت فيه، وسمعته يقول، قال لى الشيخ عبد الرحمن أبو شَعَرٍ، وافقنى فى أربع: اسمى عبد الرحمن واسمك عبد الرحمن، ومذهبك حنبلى ومذهبى حنبلى، ودين الِإسلام دينُك، وأنا آكل بالحكمة وأنت تأكل بالحكمة، وإذا متُّ لا ينوحُ على أحدٌ وإذا متّ لم يَنُحْ عليك أحدٌ. قال: فلما مات لم يَنُحْ عليه أحدٌ، وأنا ليسَ لى من يَنُحْ على. دخلتُ عليه فى مرض الموت فقيلَ له: ما تشكو؟ قال: لا أشكو وإنما أشكر [(١)] دخل ذو النون على
(١) بياض فى الأصل بمقدار كلمتين لعلهما: "ثم قال:".