وكانت عنايَتُهُم بالحديثِ ورجالِهِ ومعرفةِ طُرُقه ظاهرةٌ جليةٌ اقتداءً بإمامهم، وكانَ دفاعُهُم عن العَقيدة وثباتُهم على الحَقّ وصَبرُهم وجَلَدُهُم فى مقاوَمَةِ البِدَعِ مثلٌ يُحتَذَى.
[التأليف فى علم معرفة الرجال]
ولما كان علمُ معرفة الرجال وذكرُ سيرِهم وأخبارهم من العلوم التى نشأت لخدمةِ السُّنةِ النَّبوية المطهرة أولاه علماء المسلَمين عنايةً خاصةً فظهرت كُتُب معاجم الصحابة والتابعين وتواريخهم وأخبارهم، سَجَّلوا فيها كل من ثَبَتَ له صُحَبَةٌ للنَّبى - صلى الله عليه وسلم - ثم كُتُبُ "عِلَلِ الرِّجال" أو كُتُبُ "الجَرح والتَّعديل" لتَوثيق مَنْ صحّت روايته، ولا يكون موثقًا إلا إذا عُرفت سيرته وحياته فأولى علماءُ الحديث هذا الجانب عنايةً تامةً، وأبدعوا فى معرفة أخبارِ الرِّجال وسيرِهم ووصلوا بهذا العِلم إلى منزلة لم يبلغها أحد تَقَدَّمهم من الأم السابقة.
وتعددت طرق التأليف فيه وتشعَّبت إلى أقسامٍ كثيرةٍ.
فمن كتب "الجرح والتعديل" كتب "معرفة الثقات" إلى الاهتمام بالمواليد والوفيات للرواة ليعلم السابق من اللاحق إذا اتحدت أسماء المُحدثين، أو تَشابهت أنسابهم، كما ألَّفوا كُتُبَ "الأنسابِ" و "الألقابِ" و "الكُنى" و "المُؤتلف والمُختلف". . . وذكر كلّه خدمةً لعلمِ الرِّواية لكى لا تتداخل روايةُ موثَّقٍ بروايةِ مطعونٍ فى توثيقِهِ إذا اتفقا فى اسمٍ أو كنيةٍ أو لقبٍ أو نسبةٍ. . . ومن هذا الفن إلى تواريخ المُدن فألفوا فى ترَاجم أهل بغدادَ ودمشقَ والقاهرةَ ومكةَ والمدينةَ وبيتَ المقدس وحلبَ ومروَ ونَيسابورَ وخوارزمَ وقِزْوينَ والمَوصلَ وغَرْنَاطَةَ وإشبيليَّةَ وقُرطبةَ وأهلِ جزيرَةِ الأندلسِ بعامةٍ وأهل صقلية .. . وغير ذلك.