للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا ترجم الإمام أبو البركات مجد الدين عبد السلام، المعروف بابن تيمية (الجد) في كتابه منتقى الأخبار لحد عورة المرأة بصيغة جامعة مانعة، قال رحمه الله: (باب أن المرأة الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها) (١).

ويتبين المقصود الشرعي بالخمار وحده عندما يُرَاعَى -عند الفهم- سبب النزول في الآيات، وسبب الورود في الأحاديث؛ لأنه مسلك عظيم جدا في تبين قصد الشارع. وذلك أن الله جل وعلا أمر النساء بالستر، في ظرف كان فيه نوع معين من التبرج سائدا، وهو التبرج الموروث عما سماه الله تعالى في القرآن بتبرج الجاهلية الأولى في قوله تعالى: {ولاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} (الأحزاب:٣٣). وهو نوع من العري تكشف فيه المرأة عن جانبي عنقها ونحرها وضفائرها أو قلائدها المنسدلة من خلف أو جانب، وتمضي بين الرجال في مشية متغنجة. وهو ما نقله ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية، قال: (قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال، فذلك تبرج الجاهلية. وقال قتادة: كانت لهن مشية، وتكسر، وتغنج، فنهى الله تعالى عن ذلك. وقال مقاتل: التبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها! وذلك التبرج. ثم عمت نساء المؤمنين في التبرج) (٢). فقوله: (فيواري) هو بمعنى: لا يواري، أي لا يغطي؛ لأنه متعلق بما قبله من قوله: (ولا تشده)، أي: هي لا تشد الخمار ليواري ما ذكر، بل ترسله على كتفيها طليقا؛


= وأوجب، ولم يقنع بقولهم: إنه سنة ومستحب!) وقد أورد فيه من الأدلة والحجج العلمية ما لم يبق معه -لمنصف- قول مخالف. والكتاب صنفه في الأصل ليكون مقدمة لطبعة جديدة من كتابه النفيس (جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة) إلا أنه عدل عن ذلك رحمه الله فجعله مستقلا، كما قال الناشر في مقدمته، فانظره فإنه لم يصنف مثله في هذا الموضوع.
(١) منتقى الأخبار ضمن شرحه المسمى نيل الأوطار للشوكاني: ٢/ ٧٩
(٢) انظر تفسير الآية ٣٣ من سورة الأحزاب بمختصر تفسير ابن كثير للصابوني.

<<  <   >  >>