للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ليكشف عما تحته من صفحة العنق وجانبيه، والنحر، والضفائر المدلاة! وذلك هو تبرج الجاهلية الأولى. ومن هنا أمر الله بضرب الخمار على الجيوب لستر ذلك كله. فلا علاقة له إذن بتغطية الوجه.

وإنما حكمة الخمار -كما سبق بيانه في دلالته السيميائية- أنه إعلان للتدين لدى المرأة، وإشهار للعفة والوقار، وعدم الميل إلى الزيغ والضلال؛ ليس صونا لنفسها فقط، ولكن صونا للمجتمع الإسلامي كله؛ أن تشيع فيه الفاحشة، وتتطبع فيه النفوس على الفساد. ولذلك قال الشيخ عبد الرحمن الجزيري في كتابه "الفقه على المذاهب الأربعة" في (مبحث حكمة مشروعية الحدود)، بعد إيراد الآية السابقة من قوله تعالى: {ولاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى}، قال: (فقد خاطب الله تعالى أمهات المؤمنين ونساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن الصالحات القانتات، اللائي تربين في مدرسة النبوة، ونشأن في أعظم جامعة إسلامية، وتأدبن بآداب النبوة، وتخلقن بأخلاق الرسول صَلَوَاتُ اللَّهِ وسَلاَمهُ عَلَيْه. وقد كن لا يخرجن من بيوتهن إلا لعذر شرعي، كحج أو عمرة، أو زيارة أبوين، أو صلة أرحام، أو عيادة مريض، أو نحو ذلك. وإذا خرجن لا يبدين زينتهن، ولا يظهرن شيئاً من محاسنهن، ولا يلبسن ثيابا براقة. فإذا كان اللَّه تَعَالى قد أمرهن هذا الأمر، وهن على هذا الحال، فغيرهن من سائر النساء أولى أن يخشى عليهن، لو خرجن ومشين في الطرقات على أعين الناس، وفيهم من في قلبه مرض، من العصاة الفجرة، والمجرمين الفسقة، الذين لا يخشون اللَّه، ولا يخافونه (...) واتفقت كلمة الفقهاء على أن خروج المرأة من بيتها قد يكون كبيرة إذا تحققت منه المفسدة! كخروجها متعطرة متزينة، سافرة عارية، مبدية محاسنها للرجال الأجانب، كما هو حاصل في هذا الزمان، مما يوجب الفتنة. ويكون الخروج من المنزل حراماً، وليس كبيرة إذا ظنت وقوع الفتنة، ويصد عنها المفسدين المعتدين.

<<  <   >  >>