للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(فهذا صريح في أنه صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك مخافة الفتنة؛ كما قال الشوكاني في نيل الأوطار (١) فمن فعل في مثل هذه الحالة خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد خالف هديه صلى الله عليه وسلم!) (٢) إلى أن يقول: (وخلاصة القول: إن الفتنة بالنساء كانت في زمن نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم (...) فلو شاء الله تعالى أن يوجب على النساء أن يسترن وجوههن أمام الأجانب؛ لفعل سدا للذريعة أيضا {وما كان ربك نسيا} (مريم:٦٤) ولأوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر المرأة الخثعمية أن تستر وجهها، فإن هذا هو وقت البيان -كما تقدم- ولكنه على خلاف ذلك، أراد صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس في ذلك المشهد العظيم؛ أن سد الذريعة هنا لا يكون بتحريم ما أحل الله للنساء؛ أن يسفرن عن وجوههن إن شئن! وإنما بتطبيق قاعدة: (يغضوا من أبصارهم!) وذلك بصرفه نظر الفضل عن المرأة) (٣).

قلت: وهو كلام صحيح مليح، يجري على قواعد أصول الشريعة ومقاصدها. على ما بيناه بالضبط من قاعدة عموم البلوى في هذا الشأن. وإنما سد الذريعة عند القائلين به يتعلق بما لا يقطع المصالح المشروعة. كما قال الإمام أبو إسحاق الشاطبي (٧٩٠ هـ) في كتاب الموافقات، في قاعدة اطراد المصالح، التي بناها على (أصل اعتبار المآل في الأفعال). قال رحمه الله: (ومن هذا الأصل أيضا تستمد قاعدة أخرى، وهي: أن الأمور الضرورية، أو غيرها من الحاجية أو التكميلية، إذا اكتنفتها من خارج أمور لا ترضى شرعا؛ فإن الإقدام على جلب المصالح صحيح، على شرط التحفظ بحسب الاستطاعة، من غير حرج؛ كالنكاح الذي يلزمه طلب قوت العيال، مع ضيق طرق الحلال، واتساع أوجه الحرام والشبهات. وكثيرا ما يلجئ إلى الدخول في الاكتساب لهم بما لا يجوز، ولكنه غير مانع؛ لما يئول إليه التحرز من المفسدة


(١) نيل الأوطار: ٦/ ٩٧.
(٢) الرد المفحم:١٣٧ - ١٣٨
(٣) الرد المفحم: ١٣٩ - ١٤٠

<<  <   >  >>