المُرْبِيَةِ على توقع مفسدة التعرض. ولو اعتُبِر مثلُ هذا في النكاح في مثل زماننا لأدى إلى إبطال أصله! وذلك غير صحيح. وكذلك طلب العلم، إذا كان في طريقه مناكر يسمعها ويراها، وشهود الجنائز، وإقامة وظائف شرعية، إذا لم يقدر على إقامتها إلا بمشاهدة ما لا يرتضى؛ فلا يُخرِج هذا العارضُ تلكَ الأمورَ عن أصولها؛ لأنها أصول الدين وقواعد المصالح، وهو المفهوم من مقاصد الشارع. فيجب فهمها حق الفهم!) (١).
قلت: وهذه قاعدة ثمينة لمن ذاق معنى أصول الفقه ومقاصد الشريعة! فهي تتضمن من الفقه في الدين الشيء الكثير؛ ولذلك قال:(فيجب فهمها حق الفهم!)
وأما قوله:(وكثيرا ما يلجئ إلى الدخول في الاكتساب لهم بما لا يجوز)؛ فليس معناه أنه يعقد النية على الحرام؛ ولكنه دال على أن الكسب عادة ما تنزل به نوازل من الممنوعات؛ بسبب اختلاط الحياة، مما لم يقصده المكلف أصلا، لكنه يصبح نازلة بين يديه لا مفر له منها؛ فإذا عُلِم هذا فلا يجوز رفع أصل الزواج سدا للذريعة، والقول بأن زماننا هذا -مثلا- يتعذر فيه الوصول إلى الكسب الحلال الصافي من الشبه؛ فلا زواج! كلا! بل لابد من استمرار النسل؛ وإذن فلا بد من استمرار الزواج مهما كانت الظروف!
وبهذه القاعدة أيضا نقول ببطلان سد الذريعة في القول بوجوب ستر الوجه. والمالكية هم المولعون بسد الذرائع، ولكنهم مع ذلك لم يسدوا هذه الذريعة الوهمية!
ومن هنا قال الشيخ الألباني رحمه الله -برؤية دعوية عجيبة، تدل في نازلتنا على فقه دعوي رفيع-: (وإني لأعتقد أن مثل هذا التشديد على المرأة لا يمكن أن يخرج لنا جيلا من النساء يستطعن أن يقمن بالواجبات الملقاة على عاتقهن، في كل البلاد والأحوال، مع أزواجهن وغيرهم، ممن تحوجهم