نقول: إن الراوي إذا كان قليل الحديث كان من السهل عليه ضبط حديثه وإتقان حفظه، إلا أنه لم يكن ذا شهرة تجعله محط رحال المحدثين، فيشتهر بينهم وتنطلق ألسنتهم بمدحه والثناء عليه، أو ذمه والحط منه، لذا بقي هذا الراوي دائراً في فلك خاص به، فليس هو بالحافظ المشهور فيرتقي إلى مصافهم وليس بالضعيف المعروف فينزل إلى سننهم، ولما كان هو خالياً عن كل حكم من النقاد، وكان حديثه قليلاً ليس فيه ما يدل على خطئه، وتوبع على أحاديثه القليلة، خرج عن حيز الضعف، وصار إلى مرتبة القبول، فإذا اختل شرط من هذه الشروط عدنا إلى الأصل فيه وهو الضعف. ولذا كان من منهجه – رحمه الله – أن الراوي إذا كان بهذه الصورة، إلا أنه قد وجد جرح لأحد النقاد فيه قُدِّمَ الجرح؛ لأنه صار بمثابة مرجح لأحد الطرفين (١) .
والشيء الملاحظ على هؤلاء الرواة المقبولين عند الحافظ ابن حجر، أن كثيراً منهم وصف بالجهالة، وهذه فائدة عزيزة يجب التنبه لها، إذ الغالب على هؤلاء – كما سبق – عدم الشهرة، لذا فإن كل راوٍ منهم لم يكن له نصيب وافر من التلامذة الذين حدثوا عنه، وكثير منهم لم يكن له إلا راوٍ واحد، فوصف أحد من الأئمة لأحد هؤلاء الرواة بـ (الجهالة) لا يقدح في اشتراطنا: عدم ثبوت ما يترك حديثه لأجله.