الثالث: إن العبرة أصلاً ليست بكثرة الرواة وقلتهم، بل بالمعرفة والسبر وللحافظ ابن القطان الفاسي كلام نفيس في كتابه " بيان الوهم والإيهام "(٤ / ١٣ عقيب ١٤٣٢) حول قبول رواية المستور فقال – رحمه الله -: ((والحق في هذا أنه لا تقبل روايته، ولو روى عنه جماعة، ما لم تثبت عدالته، ومن يذكر في كتب الرجال برواية أكثر من واحد عنه مهملاً من الجرح والتعديل، فهو غير معروف الحال عند ذاكره بذلك، وربما وقع التصريح بذلك في بعضهم)) .
وقال الإمام السيوطي في شرحه لألفية العراقي (ص ٢٤٤) : ((الرواية تعريف له – [يعني: للراوي] والعدالة بالخبرة، وبأنه قد لا يعلم عدالته ولا جرحه))
وقال أحد الباحثين:((ذكرت في المبحث السابق عن عدد من أئمة النقد أنهم قد يعدون الراوي مجهولاً إذا لم يرو عنه إلا راوٍ واحد، وقد يعدّونه ثقة، وقد يجهلون من روى عنه جماعة، وقد يوثقونه، أو يذكرون أنه معروف، وهذا يعني أن العبرة عندهم ليست في عدد الرواة عن الشيخ، وإنما العبرة بمعرفته واستقامة روايته)) (رواة الحديث الذين سكت عليهم أئمة الجرح والتعديل بين التوثيق والتجهيل ص (١٩٤)) .
والآن حان الوقت للدخول في مناقشة كلام المحررين:
١- إن من ذكره ابن حبان في ثقاته، وكان له راوٍ واحد، فهو مجهول العين وهذه قاعدة تكاد تكون محل اتفاق المحدثين، إلا أن المحررين لم يلتزما ذلك رغم كونها عميقة الأصالة لدى المحدثين، وسأسوق أمثلة على ذلك:
أ- الترجمة (١٨٨) ، تفرد بالرواية عنه الأوزاعي، وذكره ابن حبان في الثقات (٦ / ٢١) ، وقال ابن حجر: مجهول، تعقباه بأنه: ثقة!!
ب- الترجمة (١٣٨٥) ، تفرد بالرواية عنه الزهري، وذكره ابن حبان في الثقات (٤/١٥٩) وقال ابن حجر: صدوق الحديث، ولم يتعقباه!!