للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نعني بالوعظ: أن يُخوفها بالله - عز وجل - وبما يلحقها من الضرر بسقوط النفقة والقسم.

ونعني بالهجر: أن يهجرها في المضجع، أما بالكلام فلا. ونعني بالضرب: أن يضربها ضرباً غير مبرحٍ، ولا يدمي، ويتقي الوجه والمهالك.

وإذا نشزت أول مرة، هل يجمع بين هذه الأشياء؟ - فيه قولان:

أحدهما: بلى، والمراد به من الخوف العلم؛ كما قال تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً} [البقرة: ١٨٢] أي: علم.

والقول الثاني: لا يجمع بينها بأول مرةٍ.

وتنزل هذه المعاني على ترتيب الجرائم، فإن خاف نشوزها، بأن ظهرت أماراته من المخاشنة، وسوء الخلق وعظها، فإن أبدت النشوز ونشزت أول مرة- هجرها، فإن أصرت عليه ضربها؛ لأن الله تعالى قال: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: ٣٤] والخوف الخشية من غير أن يتحقق؛ كما قال تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ} [الأنفال: ٥٨] ولا تسقط نفقة المرأة، ولا حقها من القسم بسوء الخلق، وإطالة اللسان، وإن كنت آثمة ما لم تمنع من التمكين.

وإن كان النشوز من جهة الزوج، نظر إن كان لا يمنعها شيئاً من حقها، لكنه يكره صحبتها لمرضٍ أو كبرٍ، أو معنى آخر، فلا يدعوها إلى فراشه، أو يريد طلاقها - فلا حيلة فيه؛ لأنه مباحٌ له.

فإن سمحت بترك حقها من قسم، أو نفقةٍ طلباً للصلح، فهو حسنٌ. قال الله تعالى: {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: ١٢٨] كما أن سودة أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُطلقها فوهبت نوبتها لعائشة.

وإن كان يمنعها شيئاً من حقها من نفقةٍ، أو كسوةٍ، أو قسمٍ - أجبره السلطان على ادعاء حقها.

وإن شكا كل واحدٍ من الزوجين سوء خلق صاحبه، وقبح معاملته، وأشكل الأمر على الحاكم - تعرف حالهما من عدلٍ في جوارهما، فإن لم يكن عدلٌ أسكنها إلى جنبها ثقةٍ ليتعرف أحوالهما، فإذا تبين له منع الظالم من الظلم.

وإذا ظهر الشقاق بين الزوجين، وصار من القول والفعل إلى ما لا يحل من الضرب

<<  <  ج: ص:  >  >>