وعند أبي حنيفة- رحمه الله-: لا عبرة باللوث، ولا يبدأ بيمين المدعي، وحكم القسامة عنده؛ إذا وجد قتيل في محلة أو قرية: أن يختار الإمام خمسين رجلاً من صلحاء تلك القرية، فيحلفهم أنهم ما قتلوه، ولا عرفوا له قاتلاً، ثم يأخذ الدية من عاقلة من في خطة القرية، فن لم يعرف - تؤخذ من سكان تلك القرية مع الحالفين في ثلاث سنين، وإذا لم يحلفوا حبسوا حتى يحلفوا.
وإن وجد في مسجد - فلا تؤخذ الدية من بيت المال، وكذلك في سوق العامة، وإن كان في دار فيها سان - فمن عاقلة رب الدار.
وعند أبي يوسف: تؤخذ من عاقلة من في الدار، وإن كان في دار نفسه - فعلى عاقلته، وإن وجد بين قريتين -قال: القسامة على أقربهما منه، وإن كان في مفازة بعيدة - فهو هدرٌ".
والحديث حجة عليهم في اعتبار البداعة واللوث، والبداعة بأيمان المدعين، وما ذكروه مخالفٌ لأصول القياس من وجوه؛ من حيث إنهم أثبتوا الدعوى من غير تعيين المدعي عليهم، ثم حبسهم لليمين ثم تغريمهم بلا حجة بعد أن حلفوا، ولو شهد عدل واحد؛ أن فلاناً قتل فلاناً؛ كم يحلف المدعي معه نظر:
إن كان يدعي قتلاً موجباً للمال - فهو حجة يحلف معه يميناً واحداً؛ لأن المال يثبت بشاهد ويمين.
وفيه وجهٌ آخر: يحلف معه خمسين يميناً؛ لعظم أمر الدم [وهذا بناء على أنه فعل موجب للقصاص - فهو لوث وكم يحلف؟ فيه قولان].
وإن كان يدعي قتلاً موجباً للقصاص - فهو لوث، يحلف المدعي معه خمسين يميناً، ثم هل له أن يقتص -فعلى قولين:
ولو ادعى المجروح أن فلاناً قتلني - لا يقبل قوله، ولا يصير ذلك لوثاً.
وقال مالك - رحمه الله -: يثبت اللوث بقوله على من سماه؛ لأن الغالب أنه لا يكب في هذه الحالة، وهذا لا يصح؛ لأنه إثبات الحق بمجرد الدعوى، وذلك لا يجوز، ولأنه قد يكون بينه وبين إنسان عداوةٌ، فيقصد بهذا القول إهلاكه، والجراحة غير شرط لثبوت حكم السامة بعد ما عرف انه قتيل؛ لأنه قد يقتل بما لا يجرح: من خنق وغيره.