وفيه قول آخر، وبه قال أبو حنيفة: أنها لا تؤخذ من الفقير غير المعتمل؛ كما لا تجب الزكاة على الفقير.
[ولا يختلف القول أن عقد الذمة مع الفقير] الذي لا يملك شيئاً-: يجوز؛ لأنه لا يلزمه أداء الجزية في الحال، واختلفوا في محل القولين:
منهم من قال: القولان في أنه إذا تم الحول، ولا مال له هل يقر أم لا؟:
أحدهما: لا يقرن بل يقال له: إن حصلت الجزية؛ وإلا فالحق بالمأمن.
والثاني: يقر، وتكون ديناً عليه، فإذا أيسر أخذ منه لما مضى.
ومنهم من قال: لا يختلف القول في أنه يقر بعد مضي السنة، وإن لم يكن له مال.
والقولان في أنه إذا أيسر-: هل يأخذ للسنين الماضية أم يستأنف الحول من يوم اليسر؟ فيه قولان، ولا يختلف قدر الجزية بالفقر والغنى، فيقر الكل بدينار، إلا أن المستحب. أن يأخذ من الفقير ديناراً، ومن المتوسط دينارين، ومن الغني أربعة دنانير.
وعند أبي حنيفة: لا يجوز إلا كذلك.
والدليل على جواز التسوية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ: خذ من كل حالم ديناراً" ولم يفصل بين الفقير والغني، ورُوي: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ من مجوس هجر ثلثمائة دينارٍ، وكانوا ثلثمائة نفر"، ونحن نعلم أنهم لم يكونوا في الغنى والفقر سواء.
وإذا عقد معهم عقد الذمة على أكثر من دينار، ثم امتنعوا عن أداء الزيادة-: ففيه وجهان:
أحدهما: يؤخذ منهم الدينار؛ كما يجوز ابتداء العقد عليهم.
والثاني- وهو الأصح-: صاروا ناقضين للعهد؛ كما لو امتنعوا عن أداء أصل الجزية، فهل يبلغون المأمن أم يقتلون؟ فيه قولان:
فإذا بلغناهم المأمن، ثم جاءوا وطلبوا العقد بدينار-: يجابون إليه.
ويجوز أن يعقد الذمة على خراج يضربها على أراضيهم، وعلى مواشيهم، إذا كان يبلغ في حق كل حالم ديناراً، فإن لم يبلغ أو شك في أنه هل يبلغ في حق كل حالم ديناراً أم لا -: فلا يجوز، حتى يشرط عليهم: أنه إن لم يبلغ في حق كل حالم ديناراً-: أتموها ديناراً.