للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

روي أن شاهدين شهدا عند عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فقال لهما: إني لا أعرفكما، ولا يضركما ألا أعرفكما، ائتيا بمن يعرفكما فأتيا برجل. فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كيف تعرفهما؟ قال: بالصلاح والسداد والأمانة. فقال: أكنت جاراً لهما تعرف صباحهما ومساءهما ومدخلهما ومخرجهما؟ قال: لا. قال: هل عاملتهما بهذه الدراهم والدنانير التي تعرف بها أمانات الرجال؟ قال: لا. قال: فهل صاحبتهما في السفر الذي يسفر عن أخلاق الرجال؟ قال: لا. قال: أنت لا تعرفهما، ائتيا بمن يعرفكما.

وثلاث شهادات يشترط أن يكون الشاهدان فيها من أهل الخبرة بالأحوال الباطنة، والشهادة على العدالة، وعلى الإفلاس، وعلى أن هذا وارث فلان لا يعرف له وارثاً سواه، وذلك لأن طباع الناس مجبولة على إخفاء ما يكون فيهم من أسباب الجرح، وعلى إخفاء المال. وقد يتزوج الرجل في بلاد الغربة؛ فيحدث له أولاد؛ فلا يعرف هذه الأحوال منه إلا من يطلع على بواطن أموره.

وهنا في التعديل لا يقبل إلا ممن تقدمت معرفته، وطالت خبرته.

أما الجرح: فيقبل ممن لم تتقدم معرفته؛ لأنه لا يشهد في الجرح إلا بما شاهد، أو سمع، أو استفاض عنه؛ ولا يقبل الجرح ولا التعديل إلا من رجلين عدلين.

وعند أبي حنيفة: يقبل من واحد.

وإذا كتب القاضي إلى المزكين، يخفي كتاب كل واحد من المزكين عن الآخر؛ حتى لا يتفقا على شيء تقليدا.

وكذلك أصحاب المسائل يجب أن يكونا اثنين، ويعطى إلى كل واحد رقعة؛ يخفى عن كل واحد ما دفع إلى الآخر. ثم إذا عدله اثنان، فهو عدل، وتظهر عدالته. وإذا جرحه اثنان، فهو مجروح، ولا يظهر الجرح ستراً عليه.

ولو جرحه واحد وعدله واحد، لا يقدم أحدهما حتى يجتمع اثنان على الجرح، أو على التعديل؛ فيحكم به.

ولو عدله اثنان، وجرحه اثنان كان الجرح أولى؛ لأن عند الجارح زيادة علم، والعدالة تكون على الظاهر؛ حتى لو جرحه اثنان، وعدله مائة- كان الجرح مقدماً، ولا يقبل الجرح من الجارح وإن كان فقيهاً؛ حتى يبين سبب الجرح فينظر فيه الحاكم برأيه؛ لأن الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>