وقال: لأن مجرد قوله: هو عدل- لا يقتضي العدالة على الإطلاق [لأنه قد يكون عدلاً في بعض أشياء دون بعض، وعلى بعض الناس دون بعض؛ فلا يثبت عدالته على الإطلاق] إلا بهذا اللفظ.
ومن أصحابنا من قال- وهو قول الإصطخري، وهو الأصح-: إنه ليس بشرط، والشافعي- رحمه الله- ذكر على سبيل الاستحباب للمبالغة في التعديل؛ لأنه يجوز أن يكون عدلاً عليه وله، ولا يكون عدلاً على المشهود عليه؛ بأن يكون عدواً له، ولا يكون عدلاً للمشهود له؛ بأن يكون ولداً له.
وقيل: معناه: أن التعديل لا يقبل إلا ممن تقبل شهادته له، والجرح لا يقبل ممن تقبل شهادته عليه؛ فيعني بقوله: عدل علي ولي أي: ليس بيني وبينه ولادة تمنع قبول شهادته لي، ولا عداوة تمنع قبول شهادته علي. وهل يشترط من المزكي لفظ الشهادة؛ فيقول: أشهد أنه عدل؟ فيه وجهان.
وإذا ثبتت عدالة الشاهد، ثم شهد بعده بزمان قريب بحق آخر، يحكم بشهادته، ولا يعدل ثانياً.
وإن شهد بعده بزمان طويل، ففيه وجهان:
أحدهما: يحكم بشهادته؛ لأن الأصل بقاء العدالة.
والثاني- وهو قول أبي إسحاق-: لا يحكم؛ حتى يعيد السؤال عن عدالته؛ لأن طول الزمان يغير الأحوال.
وإذا شهد مجهول العدالة، فقال المشهود عليه: هو عدل- هل يجوز للحاكم أن يحكم بشهادته؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأن البحث عن العدالة لحق المشهود عليه، وقد أقر هو بعدالته.
والثاني: لا يجوز؛ لأن الحكم بشهادته حكم بعدالته، فلا يثبت بقول الواحد؛ ولأن اعتبار العدالة في الشاهد حق الله تعالى؛ ولهذا لو رضي المشهود عليه بشهادة الفاسق، لم يجز الحكم بشهادته.
وإذا رأى القاضي في الشهود خفة عقل، أو ارتاب فيهم- يستحب أن يفرقهم في أداء الشهادة، ويسأل كل واحد منهم على الانفراد عن اليوم الذي تحمل فيه، وعن مكانه وعمن كان فيه؛ ليستدل به على صدقهم، ويقف على عورة إن كانت في شهادتهم، ويعظهم ويخوفهم.