وإن سأل الخصم تفريقهم، فرقهم؛ لأنه ربما يعرف فيهم ما لا يعرفه القاضي.
وإن كانوا جامعين للعفاف والعقل، فلا يفرقهم، وإن فرق بمسألة الخصم فلا بأس.
فصل في استحباب تعيين القاضي كاتباً له
ينبغي للقاضي أن يجعل كاتباً أميناً لكتبة السجلات والمحاضر، ويثبت حجج الخصوم وشهاداتهم، ويعطي أجرة الكاتب، وثمن القرطاس من بيت المال. فإن لم يكن في بيت المال مال يقول للمدعي: إن أتيت بصحيفة أكتب فيها خصومتك وشهادة شهودك، وإلا فلا أكرهك عليه، غير أني لا أسمع شهادة شهودك إن لم تأت به؛ لأني ربما أنسى شهادتهم عند الحاجة.
وإذا ثبت عند القاضي حق بإقرار، أو بنكول المدعى عليه ويمين المدعي- فيسأله المحكوم له أن يشهد على ما ثبت عنده، لزمه أن يشهد؛ لأنه لا يؤمن أن ينكر المحكوم عليه. وإن ثبت بالبينة فسأل المدعي الإشهاد؛ فيه وجهان:
أحدهما: لا يجب له؛ لأن له بينة، فلا يجب بينة أخرى.
والثاني: يجب؛ لأن في إشهاده تعديلاً للبينة، وإثباتاً للحق.
فإن لم يكن عنده قرطاس من بيت المال ولم يأت به المحكوم له، لا يلزمه أن يكتب.
وإن كان عنده قرطاس في بيت المال أو أتى به صاحب الحق- هل يلزمه أن يكتب المحضر؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزم؛ لأنه وثيقة بالحق؛ كالإشهاد.
والثاني: لا يجب؛ لأن الحق يثبت باليمين أو بالبينة، لا بالمحضر.
ويثبت القاضي في كل خصومة أسماء الشهود وأنسابهم وحليتهم. فإذا كانت الخصومة بين رجلين لا يعرفهما القاضي، كتب أسماءهما وأنسابهما وحليتهما، ويتولى القاضي بنفسه ضم نسخ الشهادات والمحاضر، ويعضها حيث لا يصل غيره إليها؛ حتى لا تغير ولا يزاد فيها ولا ينقص، ويجعل ما كان من حجج الخصمين وشهادتهما في مكان واحد مترجمة بأسمائهم مؤرخة بتاريخ ذلك اليوم والشهر والسنة مختومة ويفرد خصومات كل شهر. فإذا مضت سنة،