القاضي عاميًا عندنا خلافًا لأبي حنيفة، والمعتمد لنا قوله سبحانه:{لتحكم بين الناس بما أراك الله}[النساء: ١٠٥] وذلك لا يتصور إلا أهل الاجتهاد، وقال سبحانه:{فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى}[ص: ٢٦] والعامي لا يعرف الحق من الباطل، فلذلك أوجبنا أن يكون فقيهًا واشترط القاضي أن يكون من أهل الاجتهاد، وقد اختلف فقهاؤنا هل اشتراط كونه من أهل الاجتهاد واجب أو مستحب، والذي عوّل عليه القاضي في كتبه كلها أنه شرط وجوب. قال في شرح الرسالة والمعونة وغيرهما: يجب أن يكون من أهل الاجتهاد عارفًا بالكتاب والسنّة وطريق الاجتهاد وترتيب الأدلة وكيفية النظر فيها، وتخريج الفروع عن الأصول، وهل يجوز له أن يقلد غيره في نازلة أم لا؟ أما إن ضاق الوقت عن الاجتهاد، ولم يجد سبيلاً إليه فيتعين عليه تقليد الأعلم، وإن كان في فسحة من النظر، ومهلة يمكنه فيها الاجتهاد، ولم يخف فوات الحادثة فهل يجوز له تقليد غيره أم لا؟ فيه تردد وخلاف، والأصح جوازه اعتمادًا على أن الصحابة - رضي الله عنهم - كان بعضهم يقلد بعضًا حيث لا يمكنهم الاجتهاد، (وقد قال معاذ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث بعثه إلى اليمن: أجتهد رأيي). وهذا يدل على بطلان ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن العامي يجوز أن يكون قاضيًا، ويقلد غيره. قال مالك في كتاب ابن حبيب: لا أرى خصال القضاء تجتمع اليوم في أحد، فإن اجتمع منها خصلتان ولي القضاء العلم والورع. قال ابن حبيب: فإن لم يكن العلم فالعقل، فبالعقل يسأل، وبالورع يعف. قال سحنون: فإن كان فقيرًا أغنى من بيت المال، وشروط القضاء وآدابه كثيرة مذكورة في الدواوين الكبيرة.