قوله:"ويحكم على الغائب (ويسمع) البينة عليه" وهذا تنبيه على خلاف أبي حنيفة الذي لا يقول بالحكم على الغائب، ومذهب مالك الحكم عليه في كل شيء إلا في الرباع ففيها خلاف، فقيل: يحكم عليه فيه كسائر الممتلكات، واستحسن مرة التوقف عن الحكم فيها لأن مأمونة لا يخاف عليها. والدليل لنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لهند زوج أبي سفيان:(خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) الحديث. وقال عمر بن الخطاب في أسيفع حاضرًا، وقد انعقد الإجماع على جواز الحكم على العاقلة بوجوب دية الخطأ عليهم، وإن كانوا غائبين، وقول أبي حنيفة أنه يسمع البينة عليه، ولا يحكم عليه لا معنى له، إذ لا فائدة لسماع البينة إلا ليحكم بمقتضاها، والعمل بموجبها، ثم ذكر كتاب القاضي إلى القاضي وثبوت الحق عند المكتوب إليه، أو عند من أقيم مقامه، وذلك حكم أوجبته الضرورة لإنفاذ الحقوق والتحرز من ضياعها، ولا تنفع الشهادة على خط القاضي في بلد آخر، ولا بد من إقامة شهادة عادلة عنده أن ذلك كتاب القاضي إليه، وإن شهدا عليه بالحكم فهو أبلغ فهما طريقان، أما الشهادة عنده بأنه كتاب القاضي أشهدهم به من لفظه لا من كتابه، وأما الشهادة بتفصيل مضمونه فهو أثبت من الأول وألزم المنصوب مقام القاضي الأول، إذا مات الأول أو عزل أن يحكم بما في كتاب، وإن لم يكن له، وهذا تنبيه على خلاف أبي حنيفة القائل بأنه لا يجوز للثاني أن يحكم بما فيه وهذا ضعيف لأن القاضي إما أن يكتب بأنه قد حكم، ويلزم كل من ثبت عنده من الحكام تنفيذه، أو بكتب بما ثبت عنده فيجري ذلك مجرى