للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جائز إذا استند إلى وجه صحيح، فأما أن يرجع بإكذاب نفسه أو بدعوى الغلط، ولا يخلو إما أن يرجعوا عن شهادتهم قبل الحكم أو بعد الحكم بها، فإن رجعوا قبل الحكم بها قبل رجوعهم، ولم يحكم بشهادتهم ولم يلزمهم بالرجوع شيء إذا لم يتلفوا شيئًا إلا أن يقرروا بتعمد الكذب والزور، فعلى الإمام أن يعاقبهم عقوبة شديدة وعقوبة شاهدة الزور، وإن رجع الشهود بعد الحكم بشهادتهم غرموا ما تلفوا بشهادتهم بلا خلاف إن كان رجوعهم لإقرارهم بتعمد الكذب، وإن ادعوا الغلط فهل يرجع عليهم بشيء أم لا؟ قال عبد الملك: لا يرجع عليهم إذا ادعوا الغلط بشيء، والمشهود أنهما إذا شهدا بمال، وقالا: غلطنا في ذلك أن الحكم لا ينقض ويغرم الشاهدان المال، ولا يرجع على المشهود عليه، وإنما قلنا: إن رجوعهم بعد استيفاء الحكم لا ينقض به الحكم، لأن رجوعهم إن كان تكذيبًا لأنفسهم فذلك (تفسيق) منهم لأنفسهم، والحكم لا ينقض بقول فاسق، وإن كان عن غلط فيجوز أن يغلطوا في قولهم آخر فليس نقض الأولى بأولى من نقض الآخر، لا سيما وقد تعلق بقولهم الأول حق المشهود له.

واختلف المذهب إذا شهدوا بأن فلانًا قتل فلانًا عمد، ثم قتل به فأقروا بتعمد الزور في شهادتهم هل يقتلون (وهو الصحيح نظرًا) وهو قول الأشهب، أو لا يقتض منهم، وعليهم الدية، وهو قول ابن القاسم، ولا خلاف في ادعائهما الغلط أنهما لا يقتلان ولكن يغرمان الدية على المشهور ويغرم أحدهما برجعه النصف، لأنه أتلف ذلك بشهادته.

قوله: "ولا يمنع ذلك قبول شهادتهم في المستأنف": يريد ادعوا الغلط، ولم يقروا بتعمد الكذب، لأن الإنسان غير معصوم من الغلط، وإن أقروا بتعمد الكذب فقد شهدوا على أنفسهم بالجرحة والفسق، والفاسق مردود الشهادة مطلقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>