للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عالم بالبينة فلا خلاف عندنا أن له القيام بها بعد أن أحلف غريمه، وإن كان عالمًا بها، فلا يخلوا أن تكون البينة حاضرة أو غائبة وإما أن تكون بعيدة الغيبة، فإن كانت غائبة بعيدة الغيبة وهو عالم بها، فله استحلاف غريمه بلا خلاف، قال مالك: إذا قال بينتي غائبة بعيدة الغيبة لحلفه لي فعلى الإمام أن يحلفه رجاء أن ينكل، ثم أراد القيام بها، فهل له ذلك أم لا؟ فيه قولان: أحدهما: أنه ليس له ذلك، لأنه لما علم بها، وعدل إلى اليمين صار تاركًا لها فمحمل يمينه على الترك لها، وقال مالك وابن وهب في كتاب محمد: له أن يقوم بها. قل به ابن القصار وقال: لأن المدعي لو أقر بعد يمينه لوجب عليه الحق فوجب إذ أقام المدعي البينة في هذا الحال أن يكون له ذلك أصله الإقرار. واختار الشيخ أبو الحسن أن يسأل، فإن قال: إنما أحلف على علمي بالبينة رجاء أن ينكل (ولا أتكلف ببينة) أو لأن ذلك أقرب لأخذ حقي من ضرب الأجل إن ادعى مدفعًا بالبينة، أو تجريحًا أو ليتبين أنه ممن يحلف على الباطل، أو لأن السعي في تعديل الشهود يشق علي، فإنه يحلف على صحة ذلك، ويقوم بالبينة، وإن لم (يذكر) وجهًا كان ذلك تركًا للبينة، وإن أشهد أنه يحلفه لا لإسقاط البينة بل لما ذكرناه من الوجوه قام (ببينته) بلا خلاف. وقال القاضي: "ولو أحلفه عالمًا بها تاركًا لها" لم يكن له ذلك، وفيه خلاف هذا فيه مسامحة منه، لأنه إذا علم أنه تاركًا لها فليس محل الخلاف وإنما الخلاف في الصورة المحتملة، وظاهر كلام القاضي أن الخلاف في محل تقرر فيه الترك لها، وهذا لا قائل به.

قوله: "ويحلف الحالف على فعل نفسه قطعًا وعلى فعل غيره علمًا" وهذا كما ذكره. وصورة ذلك: أن يدعي رجل بمال فيقر له به، ويزعم أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>