وأجمع أهل الآثار على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يخرج قط للغزو إلا وترك بعض الناس، فلو كان متعينًا لما أخروا عنه. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى:{انفروا خفافًا وثقالاً} منسوخ بقوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كآفة} الآية. وهذا لا حجة فيه لاحتمال (التأويل في) قوله: {انفروا خفافًا وثقلاً} على وقت التعيين والمقصود بالآية الثانية حيث سقط التعيين فيكون كفروض الكفاية، ولما أمر الله سبحانه بالقتال بعد هجرته إلى المدينة أوجب عليه أولاً أن يقاتل من قاتله، وأن يكف عمن لم يقاتله فقال تعالى:{فإن قاتلوكم فاقتلوهم}[البقرة: ١٩١] فنزلت سورة براءة بعد تمام (سنتين من الهجرة)، فأمره سبحانه بقتال جميع المشركين فينهض -صلى الله عليه وسلم- بأمر الله، وشمر عن الجد، في مقاتلة أعداء الله أي نهض -صلى الله عليه وسلم-، وقد انتهت غزواته وسراياه نحوًا من أربعين ما بين غزوة وسرية. وقد حكى بعض شيوخنا الإجماع على أنه فرض كفاية وهو إجماع الجمهور لا إجماع الجميع. قال علماؤنا: ويجب على الإمام القائم بأمر الله تحصين الثغور وحراستها بالعدد والعدد، وإغزاء طائفة إلى العدو في كل سنة مرة يخرج بهم نفسه، أو يبعث من يرتضيه (حكاه) الشيخ أبو عمر بن عبد البر وغيره.