قوله:"وقد يتعين في بعض الأوقات": قلت: يتعين في محلين:
الأول: إذا فاجأ العدو قومًا من المسلمين، وعجزوا عن مدافعته فيلزم من والاهم معاونتهم لقوله تعالى:{قاتلوا الذين يلونكم من الكفار}[التوبة: ١٢٣] وبهذه الآية احتج المنصور -رحمه الله- على صلاح الدين لما بعث إليه عامل دمياط، وغزا -رحمه الله- الأرك. فإن لم يستطع من (والاهم) بدفعه، وجب على كل واحد من علم بذلك، وطمع في إدراكهم النهوض لإعانتهم، وابتدارًا إلى المقابلة معهم.
الثاني: أن يعين إمام العدل أحدًا للخروج فيتعين عليه.
قوله:"ولا يجوز تركه إلى الهدنة إلا من عذر": وهذا كما ذكره، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد هادن أهل مكة وغيرهم من الكفار حال الضعف فلما قوي الإسلام، وأمر الله (سبحانه) بالقتال فقاتل فنصره الله وأيده، وجعل كلمته العليا.
وقد اتفق العلماء على جواز الهدنة في حال الضرورة إذا كان فيها مصلحة للمسلمين، وهل يجوز أن يصالحوا لأكثر من المدة التي صالح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها أهل الحديبية أم لا؟ وهل يجوز أيضًا أن يصالحوا على شيء يدفعه المسلمون إلى الكفار في حال الضرورة إذا رأى الإمام ذلك أم لا؟ اختلف العلماء في (كلا) المسألتين، فقال الشافعي: لا يجوز الصلح لأكثر من هدنة -عليه السلام- يوم الحديبية. واختلف أهل الآثار في قدر ذلك، فقيل: إنه -عليه السلام- صالحهم أربع سنين، وقيل: ثلاث سنوات، وقيل: عشر سنين، والجمهور على جواز ذلك من غير تقييد بمدة لقوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم